أنّه لمّا قدم وفد نجران [1] على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر
[1] نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة . والمخلاف في لغة اليمن كالكورة والصقع في غيرها وكالرستاق في العراق . وذكرت لتنصر أهلها أسباب لاَ يعول على نقلها ولا تلائم الحقيقة بصحّتها . وفد أساقفتهم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدعاهم إلى المباهلة إلى آخره ، لكنهم صالحوه سنة عشرة من الهجرة وكتب لهم بذلك كتاباً . ويروى أنّه لمّا ولّي أبو بكر أمضاه ولمّا ولّي عمر أجلاهم واشترى منهم أموالهم . وقيل : نجران - بفتح النون وسكون الجيم - بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن يشتمل على ثلاث وسبعين قرية . ( انظر آلاء الرحمن في تفسير القرآن تأليف المجاهد الشيخ محمّد جواد البلاغي : 1 / 290 هامش 1 الطبعة الثانية قم ، وانظر البداية والنهاية لابن كثير تحقيق عليّ شري : 5 / 63 ) . ونجران من بلاد اليمن ، والوفد مكوّن من ستين ( وقيل ثلاثين رجلا كما جاء في كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : 213 ) راكباً ، فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم ، وهم : العاقب واسمه عبد المسيح ، والسيّد وهو الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل ، وأُويس بن الحارث ، وزيد ، وقيس ، ويزيد وابناه ، وخويلد ، وعمرو ، وعبد الله ، ومحسن . ( انظر سيرة ابن هشام : 1 / 574 ) . إنّ تخصيص النبي ( صلى الله عليه وآله ) علياً وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) من بين جميع أقاربه للمباهلة إمّا لكونهم أقرب إلى الله سبحانه وتعالى بعده ( صلى الله عليه وآله ) ولذلك استعان بهم في الدعاء على وفد نجران دون المسلمين ، وإمّا لكونهم أعزّ البشرية عنده ( صلى الله عليه وآله ) ولذلك أظهرهم وباهل بهم لوثوقه ( صلى الله عليه وآله ) بأنّ الله تعالى يعزّهم ، وليعلم العدوّ بأنه ( صلى الله عليه وآله ) أخرج للمباهلة أعزّ الناس وأقربهم إليه وإلى الله تعالى ، وهذا ممّا لاَ يفرّط به عاقل إلاّ بعد أن يثق بأنّ هؤلاء لو أقسموا على الله بشيء كإزالة الجبال لبرّهم وأزالها ، ولذلك التفت وفد نجران لما عندهم من الخبرة والفراسة والأخبار في كتبهم ، ولسنا بصدد بيان ما موجود في كتب النصارى من علامات ودلائل على إمامة ومكانة هؤلاء . وهو ( صلى الله عليه وآله ) الّذي عادى في سبيل الله عَمّه أبو لهب صاحب الآية الكريمة ( تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَب وَتَبَّ . . . ) المَسد : 1 . وهو الّذي قاتل وقاطع عشيرته الأقرب والأبعد وقرّب من ليس له نسب ولا حسب لتقواه وولاءه لله ، كما قال سيّد الساجدين : ووالى فيك الأبعدين ، وعادى فيك الأقربين . ( بحار الأنوار : 35 / 267 ) . فمن هذا وذاك لم يبق ايراد الأُستاذ محمّد عبده وتلميذه محمّد رشيد رضا صاحب تفسير المنار حيث يقول : إنّه ( صلى الله عليه وآله ) اختار هؤلاء للمباهلة ، ولكن هذا لاَ يعني أننا نحمل كلمة " نساءنا " على فاطمة ( عليها السلام ) وذلك لأنّ العربي لاَ يقولها ويريد بها بنته لا سيما إذا كان لها زوج ، هذا أوّلا . وثانياً : لاَ يفهم من لغة العرب هنا المعنى الّذي قالت به الشيعة ، وبالتالي فأبعد منه أن يراد ب " أنفسنا " عليّ . وثالثاً : أنّ وفد نجران قالوا نزلت فينا الآية ولم يكن معهم نساؤهم ولا أولادهم فكيف يفهم ذلك كما يروّج الشيعة . بل كلّ ما يفهم من الآية أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر أن يدعو المحاجّين والمجادلين في عيسى ( عليه السلام ) إلى الاجتماع رجالا ونساءً وأطفالا ، ويجمع هو ( صلى الله عليه وآله ) رجالا ونساءً وأطفالا ، ويبتهلون إلى الله بأن يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى . . . وهذا الطلب يدلّ على قوّة يقين صاحبه وثقته بما يقول . . . ( تفسير المنار : 3 / 322 بتصرّف ) . ولسنا بصدد مناقشته ( رحمه الله ) بل نريد أن يرجع أتباعه وأصحابه إلى المصادر الّتي ذكرناها سابقاً ثمّ يحسب النسبة الموجودة ، فهل أنّ الأكثرية في الروايات هي واردة في مصادر الشيعة أم في مصادر أهل السنّة ؟ وهل أنّ الفخر الرازي المفسّر الكبير هو من أهل الشيعة حتّى ادّعى الاتفاق على صحّة هذه الروايات ( راجع تفسيره : 8 / 80 ) مع أنه معروف بين العلماء أنه إمام المشكّكين ، هذا أوّلا . وثانياً هل أنّ الرواة من أمثال أبي الطفيل عامر بن وائلة ومجاهد بن جبر المكي ويحيى بن النعمان وعامر بن شراحيل الشعبي وقتادة ، والحسن البصري وأنس بن مالك وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفّان وغيرهم الّذي عدّهم ابن طاووس في كتابه سعد السعود : ص 91 إلى أحد وخمسين طريقاً هم من الشيعة ؟ وهل أنّ مسلماً والبخاري في صحيحيهما هما من الشيعة ؟ وهل أنّ الطبري وأبي الفداء وابن كثير والسيوطي وغيرهم كثيرين هم من الشيعة ؟ فتلك كلمة خاسرة وواهية منه ومن تلميذه . ومن أراد أن يتعرّف أكثر على معرفة خسرانه وعدم معرفته بأدنى مستويات وأوليات اللغة والتفسير فليراجع كتاب العلاّمة صاحب تفسير الميزان : 3 / 257 - 264 ، وها هو قول الرازي نجعله خاتمة المطاف حيث يقول : إنّ الآية دالّة على أنّ الحسن والحسين ( عليهما السلام ) كانا ابني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعد أن يدعو ابنيه فدعاهما فوجب أن يكونا ابنيه . وممّا يؤكد ذلك قوله تعالى ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَنَ . . . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى . . . ) الأنعام : 84 . ومعلوم أن عيسى ( عليه السلام ) انتسب إلى إبراهيم بالأُمّ لا بالأب فثبت أنّ ابن البنت قد يسمى ابناً .