نام کتاب : التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة نویسنده : شمس الدين السخاوي جلد : 1 صفحه : 137
القبر والمنبر رد فيه على الريمي مصنفه المسترشد ، على أن الروضة هي المسجد وكفاية العابد ومسألة في مسمى العموم ، وأن العام المخصص حقيقة ، وانتخب من صفوة الصفوة - لابن الجوزي نحو أربع كراريس ، جمع فيها لبها ، وأردفه بنحو كراس من كلام القوم ، وسماه المنتخب لا يستغني عنه من عنده ذوق ، ولديه توق ، وأوقاته مشحونة بالعبادة والمطالعة ، والإقراء والتلاوة ، مع المراقبة والتوجيه ، وبذل النصيحة ، واتباع الكتاب والسنة ، ولا يشتغل بأحد بين العشاءين ، ولا بعد الصبح إلى ارتفاع الشمس ، وحينئذ يصلي ركعتي الإشراق شكراً للصباح الجديد ، وتحية له ، ثم ركعتي الكفاية ، ثم ركعتي الاستخارة في جميع ما يعرض له ، ثم يجلس للإقراء إلى نصف ما بين الصبح والظهر ، ويصلي حينئذ الضحى اثنتي عشرة ركعة ، ثم يتوجه إلى منزله ، فيشتغل بالمطالعة إلى قبيل الظهر ، فينام نومة خفيفة جداً ، ثم يقوم للصلاة ، ويقرأ أيضاً بين الظهر والعصر ، وبعد العصر ساعة جيدة ، كل ذلك بالمسجد ، ويكون آخر الناس خروجاً منه بعد العشاء ، ويديم التهجد ، وكان أولاً يختم في الجمعة ، ثم صار يختم في كل ثلاثة أيام ، ويصوم البيض والاثنين والخميس والأحد والأربعاء ، القصد صيام داود ، كل ذلك ، مع التقلل في المأكل والمشرب ، بل ومن الدنيا وزهده وتقنعه ، وسمع بعضهم يحض آخر على شرب دواء لشهوة الأكل ، فتعجب ، وقال : إنما المطلوب قلته ، فكيف تتداوى لكثرته ؟ ومن نظمه : حدا الحادي بنا نحو المقابر * فمالت نحوه جمع العشائر وظلت خوفها رهناً وأمست * إلى يوم التنادي والمعاذر وقامت بعد ذلك مسرعات * إلى درك الجحيم أو الحظائر فيا لك من دواة مفظعات * أيهنأ العيش مع هذي الدوائر ؟ وكان يقول - وهو قابض على لحيته - واعجبا لمن يبلغ الثلاثين ! كيف يهنأ له العيش ؟ يريد نفسه ، وكتب بخطه : عقدت مع الله تعالى أن لا أكب متعمداً ، إلا فيما فيه صلاح في الدين ، وأن لا أسأل غير الله تعالى شيئاً من الدنيا لنفسي ، وأن أرضى بحكم الله وأن أحتمل الأذى لأجله ، إلا في معصية ، وأن أزهد في الدنيا بأن أترك السعي في طلبها ، ولا آخذ منها إلا ما يكفيني ، وأن لا أطلب بعلمي وعملي غير وجه الله ورضاه ، قال : عاهدته على ترك جميع المعاصي الباطنة والظاهرة ، ومنه التوفيق لذلك ، وبالجملة : فكان فرداً في معناه ، ولم يترك الحج إلا سنة وفاته ، لاشتغاله بالمرض الذي يعجز معه عنه ، وكان ابتداء مرضه في العشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وستين ، وتوفي في نصف ليلة الأحد رابع عشر المحرم من التي تليها ، وهو ابن إحدى وثلاثين سنة ودفن بالبقيع تحت قدمي والديه ، شمالي قبر سيدنا إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم ، وشهد جنازته جميع أهل المدينة ، وتأسفوا بأجمعهم عليه
137
نام کتاب : التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة نویسنده : شمس الدين السخاوي جلد : 1 صفحه : 137