نام کتاب : التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة نویسنده : شمس الدين السخاوي جلد : 1 صفحه : 127
وإلى كثير من المجاورين ، بل كان شأنه السعي في مصالح المسلمين وحوائجهم ، وهو السبب في إنشاء الرباط المنسوب إلي ، وله فضائل كثيرة في علوم ، أجلها الفروع ، والأصول ، والنحو ، وفي مجاورته الأولى سكن مبرك الناقة ، وقد رأيته خلاء قبل قدومه بأيام يسيرة من مجاورته الأخرى ، فنزل فيه أيضاً ، وكان هذا من العجائب ، وقال الوالي العراقي : وترافق هو ووالدي على الخروج للمجاورة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وستين ، وكنت معهما ، وجميع عيال الوالد ، فبدأ بالمدينة ، فأقام بها مدة أشهر ، كتب فيها بخطه ألفية الوالد ، وحضر تدريسها في تلك المجاورة عنده ، وخرجا إلى مكة ، وكان لي منه حظ كبير من الإحسان والملاطفة ، انتهى ، ورأيت من تصانيفه بالمدينة : شرح اللمحة البدرية في علم العربية ، لشيخه أبي حيان ، سماه المنحة السنية وهو في كراريس ، ومولده سنة ست وسبعمائة ، واشتغل بالعلم وهو ابن عشرين سنة ، وتفقه بالسنباطي ، والسبكي ونحوهما ، وأخذ العربية عن أبي الحسن الأنصاري ، والد ابن الملقن ، وأبي حيان ، وسمع الحديث على ابن القماح ، وابن عبد الهادي ، والميدومي ، وحدث ، ومهر في الفنون ، وبرع ، واختصر الكفاية في ست مجلدات ، وكذا التنبيه ، فصحح على قاعدة المتأخرين ، ثم اختصره مقتصراً على الراجح ، وهو لطيف ، كثير الفائدة ، سهل التناول ، بحيث رأيته بخط شيخنا ، ولكنه قال إنه لم يرزق حظ الحاوي الصغير ، وعمل تصحيح المهذب ، مع تخريج أحاديثه ، وضبط لغاته وأسمائه في مجلدين ، ونكت المنهاج في ثلاث مجلدات ، كثير الفائدة ، وغير ذلك ، وكان وقوراً ساكناً ، خاشعاً قانعاً ، انتفع عليه الطلبة ، وتخرج به الفضلاء ، ذكره الأسنوي في طبقاته ، وقال : كان أبوه رومياً ، من نصارى أنطاكية ، فوقع في سهم بعض الأمراء ، فرباه وأعتقه ، وباشر النقابة لبعض الأمراء ، فعرف بالنقيب ، ثم انقطع ، وتصوف بالبيبرسية ، ولزم الخير والعبادة ، ونشأ له ولده الشهاب على قدم جيد ، فكان أولاً بزي الجند ، ثم حفظ القرآن وقرأ بالسبع ، ثم اشتغل بالعلم وله عشرون سنة ، فلازم إلى أن مهر ، قال : وكان عالماً بالفقه ، والقراءات والتفسير ، والأصول ، والنحو ، ويستحضر من الأحاديث شيئاً كثيراً - خصوصاً المتعلقة بالأوراد والفضائل - ذكياً ، أديباً ، شاعراً ، فصيحاً ، صالحاً ورعاً ، متواضعاً ، طارحاً للتكلف ، متصوفاً ، كثير المودة ، كثير البر ، خصوصاً لأقاربه ، حسن الصوت بالقراءة ، كثير الحج والمجاورة بمكة والمدينة ، كثير النصح والمحبة لأصحابه ، وافر العقل ، مواظباً على الأشغال ، والاشتغال ، والتصنيف ، لا أعلم في هذا العلم بعده من اشتمل على صفاته ، ولا على أكثرها ، وشرع في تصنيف أشياء لم تكمل ، وبالجملة فهو ممن نفع الله به وبتصانيفه ، ولم يكتب قط على فتيا تورعاً ، ولا ولي تدريساً ، وكان - مع تشدده في العبادة - حلو النادرة ، كثير الانبساط ، فيه دعابة زائدة ، حفظ عنه في أشياء لطيفة ، انتهى . وقد سأله صاحبه الجمال الأسنوي تدريس الفاضلية ، فامتنع ، ومات قبله مطعوناً في رابع
127
نام کتاب : التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة نویسنده : شمس الدين السخاوي جلد : 1 صفحه : 127