4 - المعزّ : أكثر ارتباط النعمان كان بالمعزّ ، فقد عاصره وعاشره وليّ عهد ثمّ خليفة وصاحبه إلى مصر إلى أن مات قبله بسنتين . وتعظيم النعمان للمعزّ لا مزيد عليه : فهو الإمام وهو مصدر العلوم وأساس التأويل وكاشف الأسرار . وهو وليّ نعمته لم تنقطع ثقته ولا فتر عطفه ، وهو الملجأ الذي يسكن إليه ، إذا دهمه أمر أو حيّرته قضيّة أو غمضت عليه السّبل . فلذلك أحاط النعمان شخصيّة المعزّ بالعناية التامّة فألَّف هذا الكتاب وجعله سجلَّا يوميّا لأقواله ومآثره وتوقيعاته . ومعظم كتب النعمان ألَّفت في عهد المعزّ ، فيقول إنّه كتبها بطلب منه إذ يمدّه بمادّتها ويلخّصها له ، فيتبسّط فيها النعمان ، ثم يعرضها عليه فيستحسنها غالبا ، وينصحه أحيانا بالزيادة فيها أو بالتشذيب منها ، ويشير عليه بتبسيطها أو تحوير عنوانها . وكان الأولياء يتهيّبون المعزّ فلا يتجاسرون على استفتائه في العقيدة ولا سؤاله في الأمور المعتادة ، بالرغم من تحريضه لهم على ذلك وحسن معاملته لرعاياه من أهل الدعوة وحتّى من خصومها كما فعل مع ابن واسول ، إذ سمح له بحضور صلاة الجمعة بإمامته ، وتواضع له فناقشه في بعض مسائل الفقه كتحليل لحوم الخيل . وكذلك نراه يتألَّم لمقتل حميد بن يصل ويقول إنه كان يصفح عنه لو أظهر الندم على قيامه عليه : « . . . فمن تاب إلينا قبلناه ، ومن استرحمنا رحمناه ومن استقالنا أقلناه . . . [1] » . ويعلمنا الكتاب أنّ المعزّ كان شاعرا بالتنافر الحاصل بين الدولة الفاطميّة ورعاياها ممّن يسمّيهم « العامّة » أي أهل السنّة ، فعمل على أن يظهر للناس بمظهر المنقذ الهادي جاء ليخلَّص الدين من أعدائه سواء كانوا من النصارى البيزنطيّين أو ممّن يدّعون الإسلام مثل بني أميّة بالأندلس وبني العبّاس ببغداد أو البرابرة بالمغرب الأوسط والمغرب الأقصى ، وقد استفحلت فيهم الدعوة الخارجيّة فصاروا يثورون بين الفينة والأخرى فيرسل عليهم خلصاءه من كتامة وعبيده الصقالبة .