ولمَّا صار إلى مرج عذراء على اثني عشر ميلا من دمشق تقدَّم البريد بأخبارهم إلى معاوية ، فبعث برجل أعور ، فلمَّا أشرف على حجر وأصحابه قال رجل منهم : إن صدق الزجر فإنَّه سيُقتل منّا نصف وينجو الباقون ، فقيل له : ومن أين علمت ؟ قال : أما ترون الرجل المقبل مصاباً بإحدى عينيه ، فلمَّا وصل إليهم قال لحجر : إن أمير المؤمنين ( يعني معاوية ) أمرني بقتلك يا رأس الضلال ، ومعدن الكفر والطغيان ، والمتولَّى لأبي تراب ، وقتل أصحابك إلاَّ أن ترجعوا عن كفركم ! وتلعنوا صاحبكم وتتبرَّؤون منه ، فقال حجر وجماعة ممن كان معه : إن الصبر على حدِّ السيف لأيسر علينا مما تدعونا إليه ، ثمَّ القدوم على الله وعلى نبيِّه وعلى وصيِّه أحبُّ إلينا من دخول النار ، وأجاب نصف من كان معه إلى البراءة من علي ( عليه السلام ) ، فلمَّا قدِّم حجر ليقتل قال : دعوني أصلِّي ركعتين ، فجعل يطوِّل في صلاته ، فقيل له : أجزعاً من الموت ؟ فقال : لا ، ولكنّي ما تطهَّرت للصلاة قط إلاَّ صلَّيت ، وما صلَّيت قط أخفَّ من هذه ، فكيف لا أجزع وإني لأرى قبراً محفوراً ، وسيفاً مشهوراً ، وكفناً منشوراً ؟ ثم قدِّم فنُحر ، وأُلحق به من وافقه على قوله من أصحابه . وقيل : إن قتلهم كان في سنة خمسين ( 1 ) . وعن صالح بن كيسان قال : لمَّا قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه حجَّ ذلك العام ، فلقي الحسين بن علي ( عليهما السلام ) فقال : يا أبا عبد الله ! هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك ؟ فقال : وما صنعت بهم ؟ قال : قتلناهم وكفّنّاهم وصلَّينا عليهم ، فضحك الحسين ( عليه السلام ) ، ثمَّ قال : خصمك القوم يا معاوية ، لكنّنّا لو قتلنا شيعتك ما كفّنّاهم ، ولا صلّينا عليهم ، ولا أقبرناهم ، ولقد بلغني وقيعتك في علي ( عليه السلام ) ، وقيامك بنقصنا ، واعتراضك بني هاشم بالعيوب ، فإذا فعلت ذلك فارجع إلى نفسك ، ثمَّ سلها الحق عليها ولها ، فإن لم تجدها أعظم عيباً فما أصغر