وجحودهم موضعاً يتقرَّبون به إلى أوليائهم ، وقضاة السوء ، وعمال السوء في كل بلدة ، فحدَّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، ورووا عنَّا ما لم نقله وما لم نفعله ، ليُبغَّضونا إلى الناس ، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن ( عليه السلام ) ، فقُتلت شيعتُنا بكل بلدة ، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنّة ، وكان من يُذكر بحبِّنا والانقطاع إلينا سُجن ، أو نُهب ماله ، أو هُدمت داره . ثمَّ لم يزل البلاء يشتدُّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ( عليه السلام ) ، ثمَّ جاء الحجاج فقتلهم كلَّ قتلة ، وأخذهم بكل ظنّة وتهمة ، حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحبُّ إليه من أن يقال شيعة علي ( عليه السلام ) ، وحتى صار الرجل الذي يُذكر بالخير - ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً - يحدِّث بأحاديث عظيمة عجيبة ، من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها ، ولا كانت ولا وقعت ، وهو يحسب أنها حقٌّ لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ، ولا بقلّة ورع ( 1 ) . وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب ( الأحداث ) ، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمّاله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كل منبر ، يلعنون علياً ، ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة ; لكثرة من بها من شيعة علي ( عليه السلام ) ، فاستعمل عليهم زياد ابن سمية ، وضمَّ إليه البصرة ، فكان يتتبَّع الشيعة وهو بهم عارف ; لأنه كان منهم أيام علي ( عليه السلام ) ، فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرَّدهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم .
1 - شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 11 / 43 ، كتاب سليم بن قيس : 186 - 189 .