دل على نفي التعذيب مطلقا عمن لم يبعث إليه الرسول ولم تقم عليه الحجة ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة ، ولئلا يكون للناس على الله حجة وإلا كانت لهم الحجة ، كما قال عز من قائل : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزي وقوله تعالى : كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها : ألم يأتكم نذير ؟ قالوا : بلى قد جاءنا نذير فكذبنا . . إلخ الآية دلت على أن جميع من يلقى في النار إنما هو بعد تمامية الإنذار ، وقوله سبحانه : يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا ؟ قالوا : شهدنا على أنفسنا إلى قوله تعالى : إن لم يكن ربك مهلك القرى وأهلها غافلون صرح فيه تبارك وتعالى باعتراف المخاطبين من الجن والإنس بأنهم جاءتهم الرسل وقصوا عليهم الآيات ، وبينوا لهم التكاليف ، لكنهم حيث كفروا بآيات ربهم وعصوا رسلهم أهلكوا الله بهذا السيب ، وإلا فلا يعذب من لم يكن عالما بالآيات ، أو لم يأتهم النذير لقوله عز شأنه : وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون أي من الأمر بالطاعة ، والنهي عن المعصية ، فلو عذبهم لكان ظلما . نزه سبحانه نفسه عن الظلم بقوله تعالى : وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون وبين أن المعذبين في النار هم الظالمون لأنفسهم بالمعصية ، وترك الطاعة ، فمن لم يكن ظالما لا تجوز عقوبته . ولو عوقب لكان ظلما عليه . وبالجملة دلت الآيات على أن كل من صنع مثل صنع الأمم الخالية ، فأنكروا على الله آياته ورسله ، وفعلوا المنكرات والقبائح بعدما تمت عليهم الحجة ، وظهرت لهم التكاليف الإلهية والزواجر الشرعية عوقب عن إنكاره