الأمر خلاف العقل والمنطق ، ولا يذهب إليه أحد ، فتأمل واستقرء ما غبر من الدهور ، بل وما نعاينه في أيامنا هذه ، فهل تجد إلا ما قلناه ؟ . ثم إذا كان ذلك في شؤون الإمارات والممالك والدول ، فكيف لو تعلق الأمر بالأديان السماوية ، بل وبآخرها وأعظمها ، وبأوسعها نظاما وتشريعا ؟ ! وحيث يتعلق الأمر بالخالق تبارك وتعالى ، وبرسوله الكريم صلى الله عليه وآله ، الذي ما أرسل إلا رحمة للعالمين . . فهل يريد من يخالف ذلك أن ينسب التفريط بهذا الأمر الذي لم يفرط به ملوك الدنيا وحكامها إلى الله تبارك وتعالى ، وذلك لا يذهب إليه أحد إلا من كان أعمى القلب معدوم البصيرة ، أو إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله ، وذلك ليس بمعهود منه ، حيث تحدثنا جميع المراجع التأريخية المختلفة أنه لم يغادر المدينة يوما إلا واستناب فيها من يخلفه [1] يلحق بذلك أيضا وصاياه
[1] بلى إن المراجعة البسيطة لسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله في استخلاف من ينوب عنه حين تركه لعاصمة الدولة الاسلامية ، حتى ولو قصر مدى السفر وقلت أيامه - كما في غزوة أحد التي لم تبعد عن المدينة إلا ميلا واحدا ، ولم يستغرق بعده عنها إلا يوما واحدا فقط ، بل وفي غزوة الخندق التي كانت في المدينة عينها - تدل دلالة واضحة على استحالة وقوع التفريط منه في ترك هذه الأمة دون راعي أو خليفة ينوب عنه ، لا سيما ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يفاجأ بموته كما معروف لدى الجميع ، وأنه صلى الله عليه وآله يدرك بوضوح ما يحيط أمته من المخاطر الجسيمة التي تتحين بها الفرص والغفلات ؟ ! نعم ، فإنا عندما نتأمل ذلك نجد أن افتراض عدم الاستخلاف من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خلاف ما عهد من سيرته المباركة - مضافا إلى خلافه الصريح مع المنطق والعقل - وذلك ما يتبين عند المراجعة البسيطة لكتب السيرة والتأريخ المختلفة : 1 - فعندما أذن له صلى الله عليه وآله بقتال المشركين في السنة الثانية من الهجرة ، وخرج مع جماعة من المسلمين للتعرض لعير قريش ، استخلف على المدينة سعد بن عبادة خليفة عنه . 2 - وفي تلك السنة أيضا ، وعند خروجه صلى الله عليه وآله في غزوة بواط ، استخلف عنه سعد بن معاذ . 3 - واستخلف زيد بن حارثة عند خروجه صلى الله عليه وآله في طلب كرز بن جابر الفهري الذي أغار على المدينة . 4 - ثم استخلف صلى الله عليه وآله أبا سلمة المخزومي عندما خرج في غزوة العشير . 5 - وفي غزوة بدر الكبرى كان ابن أم مكتوم خليفة عنه صلى الله عليه وآله في المدينة . 6 - وعند ما خرج صلى الله عليه وآله في غزوة بني القينقاع استخلف أبا لبابة الأنصاري . 7 - وأعاد صلى الله عليه وآله استخلاف أبي لبابة عند خروجه في غزوة السويق . 8 - وأما عندما خرج صلى الله عليه وآله إلى سليم وغطفان في السنة الثالثة من الهجرة ، فإنه استخلف عنه ابن أم مكتوم . 9 - وفي غزوة بفران كان خليفته صلى الله عليه وآله في المدينة ابن أم مكتوم أيضا . 10 - وأما عثمان بن عفان فقد استخلفه صلى الله عليه وآله عند خروجه في غزوة ذي أمر . 11 - واستخلف صلى الله عليه وآله ابن أم مكتوم عند خروجه إلى أحد . 12 - وأعاد صلى الله عليه وآله استخلاف ابن أم مكتوم عندما خرج إلى غزوة حمراء الأسد . 13 - واستخلفه أيضا عند خروجه صلى الله عليه وآله في غزوة بني النضير . 14 - وعند خروجه صلى الله عليه وآله إلى غزوة بدر الثالثة كان خليفة في المدينة عبد الله بن رواحة الأنصاري . 15 - وفي غزوة ذات الرقاع استخلف صلى الله عليه وآله عثمان بن عفان في المدينة . 16 - وأما في غزوة دومة الجندل فقد استخلف صلى الله عليه وآله ابن أم مكتوم في المدينة . 17 - وفي غزوة بني المصطلق كان زيد بن حارثة خليفة عنه صلى الله عليه وآله في المدينة . 18 - وعند ما قاتل صلى الله عليه وآله الأحزاب ، وفي المدينة عينها ، استخلف ابن أم مكتوم أيضا خليفة عنه . 19 - وكان أبورهم الغفاري خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة بني قريضة . 20 - وفي غزوة بني لحيان كان ابن أم مكتوم خليفة عنه صلى الله عليه وآله . 21 - وأعاد صلى الله عليه وآله استخلاف ابن أم مكتوم عند خروجه في غزوة ذي قرد . 22 - وكان ابن أم مكتوم أيضا خليفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله عند خروجه في غزوة الحديبية . 23 - وفي غزوة خيبر استخلف صلى الله عليه وآله عنه في المدينة سباع بن عرفطة . 24 - وأعاد صلى الله عليه وآله استخلافه عند خروجه في عمرة القضاء . 25 - وأما عند خروجه صلى الله عليه وآله في فتح مكة فإنه استخلف أبا رهم الغفاري في المدينة . 26 - ولما خرج صلى الله عليه وآله في غزوة حنين كان أبورهم خليفته في المدينة أيضا . 27 - وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقد خليفة عنه صلى الله عليه وآله في المدينة عند خروجه إلى تبوك .