نام کتاب : العمر والشيب نویسنده : ابن أبي الدنيا جلد : 1 صفحه : 33
ونظير هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو : " بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده في النار " مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث : " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم " . فإنه رخص في الحديث عنهم ، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم ، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه ، وأمر به . ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع . فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرا وتحديدا ، مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة ، أو على صفة معينة لم يجز ذلك ، لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي ، بخلاف ما لو روي فيه ( من دخل السوق ، فقال : لا إله إلا الله كان له كذا وكذا ) فإن ذكر الله في السوق مستحب لما فيه من ذكر الله بين الغافلين ، كما جاء في الحديث المعروف : " ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس " . فأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته . وفي مثله جاء الحديث الذي رواه الترمذي : ( من بلغه عن الله شئ فيه فضل ، فعمل به رجاء ذلك الفضل ، أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك ) . فالحاصل : أن هذا الباب يروى ويعمل فيه في الترغيب والترهيب ، لا في الاستحباب ، ثم اعتقاد موجبه ، وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف عن الدليل الشرعي " [1] . والحق أني أميل إلى سحب منهج المحدثين في النقد إلى المرويات الموقوفة والمقطوعة والأخبار التاريخية ، والزهدية والمقاطيع الشعرية ما دامت وصلتنا مسندة . فإن حضور إسنادها يساعد في فحصها وتقييمها .