ب - إنّهم يحتاجون إلى البرهان أحيانا لبيان مكاشفاتهم لأجل أنفسهم وذلك في حالة ما بعد الشهود والمنامات ، لأنّه قد يختلف شهود عارف عن شهود عارف آخر ، وقد يكون بينهما تفاوت ، وفي هذه الحالة لا يخلو إمّا أن يكون كلاهما على خلاف الحقّ أو واحد منهما ، ولذا يلجأ إلى البرهان لإثبات ما هو الحقّ منهما أو يصل إلى الحقّ في خارج منهما .
ج - يحتاج العارف إلى البرهان لإثبات المشهودات للآخرين كالحكماء ، وأهل الكلام ، لأنّ هؤلاء لا يعترفون بدعاوى العرفاء ، فلا مناص من وجوب الإثبات عن طريق البرهان .
وأمّا البحث في أنّ المكاشفة والتزكية هل يتمكّن بهما من الوصول إلى المعرفة ، وهل يمكن أن يكونا ملاكا للتحقيق وثبوت المعارف والحقائق مثل العقل والتجربة والنقل مثلا ، فهذا البحث خارج عن حدود هذه المقدّمة ، وقد بحث هذا الموضوع وحقّقه ابن تركة في تمهيد القواعد ص 23 - 25 و 274 - 348 وكذلك صدر المتألَّهين أيضا في الأسفار وبعض مؤلَّفاته الاخرى ، فراجع .
ولكن ينبغي التذكير بهذه النكتة وهي أنّه يلزم أن يكون المعيار والميزان في صحّة الكشف في نهاية الأمر هو قول المعصوم عليه السّلام لأنّ قول المعصوم ( نور لا ظلمة فيه ) ولهذا مرجع العارف النهائي في معرفة صحّة كشفه وشهوده هو المعصوم ولكن هذا الرجوع إلى المعصوم وإلى الشرع المقدّس الثابت يختلف عن رجوع العوام إلى الشرع والمعصوم أي التقليد الاصطلاحي فانّ رجوع العارف الى المعصوم يكون بعد طيّ مراحل البرهان والعرفان فهو يكون فوق العرفان والبرهان ولكن التقليد الاصطلاحي يكون دون البرهان فهو تعبّد محض ، وعلى كلّ : والوزن يومئذ الحقّ .
ونورد هنا كلام القيصري في الفصل السادس من فصول مقدّمة شرح الفصوص ص 32 ، قال :
ومشاهدة الصّور تارة يكون في اليقظة ، وتارة في النوم ، وكما أنّ النوم ينقسم بأضغاث أحلام وغيرها ، كذلك ما يرى في اليقظة ينقسم إلى امور حقيقيّة محضة واقعة في نفس الأمر ، وإلى امور خياليّة صرفة لا حقيقة لها شيطانيّة ، وقد يخلَّطها الشيطان بيسر من الأمور الحقيقيّة ، ليضلّ الرّائيّ ، لذلك يحتاج السّالك إلى مرشد يرشده وينجيه من
