وتوفيقه وعبادته واستدامة لما أنعم عليه ونصره « 1 » .
ثمّ اعلم أنّ في هذه الآية الشريفة تحقيقا للمنزلة بين المنزلتين ، وإثباتا للأمر بين الأمرين حيث أبطل بقوله : * ( إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) * مذهب الجبريّة الذين ينسبون الأفعال كلَّها إلى اللَّه ويقولون : لا مؤثّر ولا فاعل في الوجود إلَّا اللَّه ، لقوله تعالى :
* ( هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّه ) * « 2 » ، وقول النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « ما شاء اللَّه كان ، وما لم يشأ لم يكن » « 3 » ، حتى أنّ بعضهم كجهم بن صفوان « 4 » وغيره لا يفرّقون بين حركة المرتعش وغيره ، ولا بين سكون الزمن وغيره ، ويقولون : إنّ جميع الخيرات والشرور من ناحية القدر ، ولا قدرة للعبد في شيء منها ، بل هو مجرّد الآلة يفعل بإرادة حادثة فيه من اللَّه تعالى فهو المريد وهو الفاعل .
فأبطل مقالتهم : بنسبة العبادة الَّتي هي الخضوع والتذلَّل إلى العبد ، كما أبطل مقالة المفوّضة الذين يعزلون اللَّه عن خلقه وعن ملكه ، بطلب المعونة منه ، فإنّه يدلّ على افتقار العبد في عبادتهم وفي سائر حوائجهم ومهمّاتهم إلى معونته وتوفيقه وإمداده .
بل في قوله : * ( إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) * إشارة إلى بطلان المذهبين معا لدلالته على أنّ الطلب من العبد والمعونة من اللَّه ، فتحقّق أن لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين الأمرين .
ثمّ إنّ التفويض إمّا في التشريعيّات وإمّا في التكوينيات وبالأولى يبطل الأوّل
