والتفريد سلب من نفسه الحول والقوة وأضاف إلى ربّه الإمداد والمعونة على وجه الطلب والسؤال الذي هو وظيفة العبوديّة إزالة لغبار الشرك في الأفعال من أوهام الأغيار ، وإرجاعا لجميع الفيوض والإمدادات إلى اللَّه الواحد القهّار .
فالعبادة وإن كانت هي المقصودة بالذات من العباد ولذا قدّمها ، إلَّا أنّها لا تتمّ إلَّا بمعونة الحقّ وإمداده وإفاضته ، لا بحول العبد وقوّته ، فإنّه لا حول من المعاصي ، ولا قوة على شيء من الطاعات إلَّا بمعرفة اللَّه وتوفيقه ، فقرنها بالاستعانة .
ولذا ربما قيل : إنّ الجملة الثانية حاليّة والواو للحال ، إشعارا على كون العبادة في حال الاستعانة ، فالاستعانة بل الإعانة أيضا مقدّمة على العبادة رتبة وإن أخّرها لفظا ، نظرا إلى ما سمعت .
مضافا إلى أنّ العبادة مطلوب اللَّه من العباد ، والاستعانة مطلوبهم منه ، فناسب أن يقدّم مطلوبه على مطلوبهم .
وأنّ اقتران العبادة بالاستعانة للجمع بين ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهة ، وتقديم العبادة على الاستعانة كتقديم الوسيلة على طلب الحاجة رجاء الإجابة كما نبّه سبحانه على ذلك بقوله : * ( وابْتَغُوا إِلَيْه الْوَسِيلَةَ ) * « 1 » .
مضافا إلى أنّ المعبود بالحق هو الذات البحت المجرّد عن جميع الإضافات والأوصاف المشار إليها بالأحدية المطلقة ، بل بالهويّة الغيبيّة ، والمستعان به هو المتجلّي بصفة الإعانة الَّتي هي من صفات الفعل ، فالعبادة توحيد ذاتي والاستعانة توحيد فعلي ، بل العبادة إذعان بالتوحيد ، والاستعانة تصديق بالولاية الَّتي هي باطن النبوّة ، فإن صفات الفعل كلها حادثة ، عندنا ، وستسمع ( إن شاء اللَّه تعالى )
