ما قام عليه من العدل والمساواة ، وبهذا نعرف السر في قوله تعالى : « وإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ » - 203 الأعراف .
لقد أمر اللَّه نبيه الكريم أن يجاهد الجهاد الأكبر بقراءة القرآن وإذاعته لأن بها يرتفع صوت الحق والعدل ، وينشر العلم والوعي بين الناس ، ويحس كل إنسان بكرامته ، فيحرص عليها ، ويدافع عنها ، وبهذا يتبين ان تلاوة القرآن من الإذاعات العالمية هي لخير الإنسانية كلها ، لا للمسلمين وحدهم ، وان الدافع على هذه الإذاعات ليس البلاغة البيانية - كما يظن - وانما الدافع الأول دعوة القرآن التي ترسي قواعد العدل والمساواة بين الناس أجمعين .
( وهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وحِجْراً مَحْجُوراً ) . ليس المراد بالبحرين في الآية بحران معينان ، وانما المراد بهما نوعان من الماء : أحدهما عذب ، وثانيهما مالح ، فإن كلمة بحر تطلق في اللغة على الماء الكثير عذبا كان أم مالحا ، والمعنى ان اللَّه سبحانه جعل الماء المالح في أرض منخفضة يركد فيها الماء ، وجعل مجاري الماء العذب كالأنهار والجداول في أرض مرتفعة عن سطح البحر ، بحيث يصب الماء العذب في الماء المالح ، فيبقى العذب على عذوبته ، والمالح على ملوحته ، ولو انعكس الأمر ، وجعل سبحانه الماء الحلو في أرض منخفضة ، والماء المالح في أرض مرتفعة ، وصب المالح في العذب لأفسد المالح العذب ، وأصبح الماء كله مرا ، ووقع الناس في العسر والحرج . . وليس هذا من باب الصدفة ، بل هو بتقدير حكيم عليم ، وقوله تعالى : ( وجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وحِجْراً مَحْجُوراً ) معناه ان الماءين وان التقيا عند مصب الأنهر فإن أحدهما لا يطغى على الآخر ، بل تبقى لكل منهما خصائصه وآثاره . . فسبحان الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا .
6 - ( وهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وصِهْراً ) . المراد بالنسب القرابة بالتوالد ، وبالصهر القرابة بالمصاهرة ، والمعنى ان اللَّه سبحانه خلق من النطفة إنسانا هو أعجب الكائنات ، وجعل بين أفراده القرابة والتعاطف . انظر تفسير الآية 14 من سورة المؤمنون . ( وكانَ رَبُّكَ قَدِيراً ) ومن مظاهر قدرته ان جعل من خلية ذكرا ، ومن خلية أنثى مع ان حقيقة الخليتين واحدة ، ومصدرهما واحد .