( أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ) . يعني بالعهد مدة غياب موسى عن قومه . تقول :
عهدي به قريب أي لقائي ( أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) . أم بمعنى بل ، وأردتم أي أقدمتم على ما يوجب غضب اللَّه ، والمعنى اني لم أغب عنكم طويلا . . فلما ذا أشركتم باللَّه ؟ فهل تريدون أن يحل بكم نكاله وعذابه ؟ وفي هذا إيماء إلى انهم يؤمنون ما دام موسى قائما على رؤوسهم ، فان غاب انقلبوا على أعقابهم وحرفوا الدين على أهوائهم كما حدث بالفعل .
( فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ) . انقلبتم عن دين اللَّه بعد أن وعدتموني بالثبات عليه ( قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ) . هذا اعتراف صريح منهم بأنهم قد كفروا وارتدّوا ونكثوا بالوعد ، وعذرهم الوحيد انهم كالمسيرين لا يملكون أنفسهم عن الكفر والغدر والخيانة ، حتى كأنهم مطبوعون على ذلك . . وهكذا تظهر حقيقة بني إسرائيل في أقوالهم وفلتات ألسنتهم بالإضافة إلى أعمالهم .
( ولكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ ) . المراد بالأوزار هنا الأحمال ، وزينة القوم هي حلي النساء الفرعونيات . قال كثير من المفسرين : لما علم بنو إسرائيل انهم سيجتازون البحر ، وان اللَّه سبحانه مغرق فرعون وجنوده احتالوا على الفرعونيات ، واستعاروا حليهن للعرس أو لغيره من الأسباب ، وحملوها معهم . .
وليس هذا ببعيد على طبيعة الإسرائيليين واحتيالهم لكسب المال وجمعه بكل وسيلة ( فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ) . قال الطبري في تفسيره : ألقى بنو إسرائيل ما معهم من الحلي في حفرة ، وألقى السامري أيضا ما معه ، وصاغ الجميع على هيئة العجل ( فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ ) . تقدم في الآية 148 من سورة الأعراف ج 3 ص 395 .
( فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ ) . ضمير قالوا يعود إلى السامري وأصحابه ، وضمير نسي إلى موسى ، والمعنى ان بني إسرائيل قالوا : هذا العجل هو الإله الحقيقي لنا ولموسى وللعالم أجمع ، وقد ذهل عنه موسى ، وذهب يطلبه ويبحث عنه في الطور ، وما درى انه ضيفنا وفي ديارنا . . وتجدر الإشارة إلى أن من قال : ان اللَّه جسم فإنه يلتقي مع عبدة العجل والأوثان من حيث يريد أو لا يريد .