إسرائيل ، والوعد هنا بمعنى الموعود أي إذا جاء الوقت الموعود لإفساد بني إسرائيل في المرة الأولى ( بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) . الخطاب في عليكم لبني إسرائيل ، وبعثنا سلطنا ، ولا يشرط في العباد أن يكونوا مؤمنين - كما زعم البعض - بل قد يكونون كافرين بدليل قوله تعالى : « يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ » - 30 يس ، وأولي بأس شديد أصحاب شوكة وقوة ، وهم البابليون بقيادة بختنصر أو أبيه سنحاريب ، الذين قتلوا اليهود ، وأحرقوا التوراة ، وسبوا منهم عددا كبيرا رجالا ونساء وأطفالا ، وكان ذلك سنة 586 قبل الميلاد ، وقيل : 596 ( فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ ) لم يأت في القرآن لفظ جاسوا إلا في هذه الآية ، والجوس طلب الشيء بالاستقصاء والتردد أي ان أولي البأس كانوا يترددون وسط ديار اليهود ذهابا وإيابا يبحثون عن اليهود ليقتلوهم ( وكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ) نافدا لا خلف فيه ، ولا مرد له .
وخلاصة المعنى من مجموع هذه الآية ان بني إسرائيل حين أفسدوا في المرة الأولى بعث اللَّه عليهم قوما أقوياء أشداء قتلوا وأسروا وشردوا رجالهم ، وسبوا نساءهم ، ونهبوا أموالهم ، وخربوا ديارهم . . ونخلص من هذا ان الافسادة الأولى وضربتها من اللَّه على يد قوم أشداء قد مرت قبل الإسلام .
( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) .
الخطاب لبني إسرائيل ، والضمير في عليهم للبابليين ، والمعنى ان بني إسرائيل يكرّون ويتحررون من أسر البابليين وإذلالهم . . والمعروف ان بني إسرائيل لم يحاربوا البابليين في ديارهم ، ولم ينتصروا عليهم ، ولكن في سنة 538 قبل الميلاد فتح ملك الفرس بلاد بابل ، وحرر من فيها من الأسرى الإسرائيليين ، وعليه تكون الكرة من بني إسرائيل على البابليين بواسطة ملك الفرس ، قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره « المحيط » : « إن ملكا غزا أهل بابل ، وكان بختنصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفا ، وأبقى منهم بقية عنده ببابل في الذل ، فلما غزاهم ذلك الملك ، وغلب على بابل تزوج امرأة من بني إسرائيل ، فطلبت منه أن يرد قومها إلى بيت المقدس ، ففعل [1] .