نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 174
نعبد وإياك نستعين اشتغال بالخدمة والعبودية ، إلا أن الابتداء وقع بقوله : * ( إياك نعبد ) * وهو إشارة إلى الجد والاجتهاد في العبودية ، ثم قال : * ( وإياك نستعين ) * وهو إشارة إلى اعتراف العبد بالعجز والذلة والمسكنة والرجوع إلى الله ، وأما قوله : * ( إهدنا الصراط المستقيم ) * فهو طلب للمكاشفات والمشاهدات وأنواع الهدايات . السبب الثالث لتسمية هذه السورة بأم الكتاب : أن المقصود من جميع العلوم : إما معرفة عزة الربوبية ، أو معرفة ذلة العبودية فقوله : * ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) * يدل على أنه هو الإله المستولي على كل أحوال الدنيا والآخرة ، ثم من قوله : * ( إياك نعبد وإياك نستعين ) * إلى آخر السورة يدل على ذل العبودية ، فإنه يدل على أن العبد لا يتم له شيء من الأعمال الظاهرة ولا من المكاشفات الباطنة إلا بإعانة الله تعالى وهدايته . السبب الرابع : أن العلوم البشرية إما علم ذات الله وصفاته وأفعاله ، وهو علم الأصول وإما علم أحكام الله تعالى وتكاليفه ، وهو علم الفروع ، وإما علم تصفية الباطن وظهور الأنوار الروحانية والمكاشفات الإلهية . والمقصود من القرآن بيان هذه الأنواع الثلاثة ، وهذه السورة الكريمة مشتملة على تقرير هذه المطالب الثلاثة على أكمل الوجوه : فقوله : * ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) * إشارة إلى علم الأصول : لأن الدال على وجوده وجود مخلوقاته ، فقوله : * ( رب العالمين ) * يجري مجرى الإشارة إلى أنه لا سبيل إلى معرفة وجوده إلا بكونه رباً للعالمين ، وقوله : * ( الحمد لله ) * إشارة إلى كونه مستحقاً للحمد ، ولا يكون مستحقاً للحمد إلا إذا كان قادراً على كل الممكنات عالماً بكل المعلومات ، ثم وصفه بنهاية الرحمة - وهو كونه رحماناً رحيماً - ثم وصفه بكمال القدرة - وهو قوله مالك يوم الدين - حيث لا يهمل أمر المظلومين ، بل يستوفي حقوقهم من الظالمين ، وعند هذا تم الكلام في معرفة الذات والصفات وهو علم الأصول ، ثم شرع بعده في تقرير علم الفروع ، وهو الاشتغال بالخدمة والعبودية ، وهو قول : * ( إياك نعبد ) * ثم مزجه أيضاً بعلم الأصول مرة أخرى ، وهو أن أداء وظائف العبودية لا يكمل إلا بإعانة الربوبية ، ثم شرع بعده في بيان درجات المكاشفات وهي على كثرتها محصورة في أمور ثلاثة : أولها : حصول هداية النور في القلب ، وهو المراد من قوله تعالى : * ( إهدنا الصراط المستقيم ) * ، وثانيها : أن يتجلى له درجات الأبرار المطهرين من الذين أنعم الله عليهم بالجلايا القدسية والجواذب الإلهية ، حتى تصير تلك الأرواح القدسية كالمرايا المجلوة فينعكس الشعاع من كل واحدة منها إلى الأخرى ، وهو قوله : * ( صراط الذين
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 174