responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي    جلد : 1  صفحه : 166


وحينئذٍ يظهر لك صدق قوله تعالى : * ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) * ( إبراهيم : 34 ) وحينئذٍ ينجلي لك أثر من آثار كمال رحمته في خلقك وهدايتك ، فتفهم شيئاً قليلاً من معنى قوله الرحمن الرحيم . لا رحمن إلا الله فإن قيل : فهل لغير الله رحمة أم لا ؟ قلنا : الحق أن الرحمة ليست إلا لله ، ثم بتقدير أن تكون لغير الله رحمة إلا أن رحمة الله أكمل من رحمة غيره ، وههنا مقامان : المقام الأول : في بيان أنه لا رحمة إلا لله ، فنقول : الذي يدل عليه وجوه : الأول : أن الجود هو إفادة ما ينبغي لا لعوض ، فكل أحد غير الله فهو إنما يعطي ليأخذ عوضاً ، إلا أن الأعواض أقسام : منها جسمانية مثل أن يعطي ديناراً ليأخذ كرباساً ، ومنها روحانية وهي أقسام : فأحدها : أنه يعطي المال لطلب الخدمة ، وثانيها : يعطي المال لطلب الإعانة ، وثالثها : يعطي المال لطلب الثناء الجميل ، ورابعها : يعطي المال لطلب الثواب الجزيل ، وخامسها : يعطي المال ليزيل حب المال عن القلب ، وسادسها : يعطي المال لدفع الرقة الجنسية عن قلبه ، وكل هذه الأقسام أعواض روحانية ، وبالجملة فكل من أعطي فإنما يعطي ليفوز بواسطة ذلك العطاء بنوع من أنواع الكمال ، فيكون ذلك في الحقيقة معاوضة ، ولا يكون جوداً ، ولا هبة ، ولا عطية ، أما الحق سبحانه وتعالى فإنه كامل لذاته ، فيستحيل أن يعطي ليستفيد به كمالاً ، فكان الجواد المطلق والراحم المطلق هو الله تعالى .
الحجة الثانية : أن كل من سوى الله فهو ممكن لذاته ، والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد واجب الوجود لذاته ، فكل رحمة تصدر من غير الله فهي إنما دخلت في الوجود بإيجاد الله فيكون الرحيم في الحقيقة هو الله تعالى .
الحجة الثالثة : أن الإنسان يمكنه الفعل والترك ، فيمتنع رجحان الفعل على الترك إلا عند حصول داعية جازمة في القلب ، فعند عدم حصول تلك الداعية يمتنع صدور تلك الرحمة منه ، وعند حصولها يجب صدور الرحمة منه ، فيكون الراحم في الحقيقة هو الذي خلق تلك الداعية في ذلك لقلب ، وما داك إلا الله تعالى ، فيكون الراحم في الحقيقة هو الله تعالى .
الحجة الرابعة : هب أن فلاناً يعطي الحنطة ، ولكن ما لم تحصل المعدة الهاضمة للطعام لم يحصل الانتفاع بتلك الحنطة ، وهب أنه وهب البستان فما لم تحصل القوة الباصرة في العين لم يحصل الانتفاع بذلك البستان ، بل الحق أن خالق تلك الحنطة وذلك البستان هو الله تعالى والممكن من الانتفاع بهما هو الله ، والحافظ له عن أنواع الآفات والمخافات حتى يحصل الانتفاع بتلك الأشياء هو الله تعالى ، فوجب أن يقال : المنعم والراحم في الحقيقة هو الله تعالى .

نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي    جلد : 1  صفحه : 166
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست