نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 149
هذه الكمالات ومقدسة عن مناسبة هذه المحادثات ، واعتقد أن تصوره غائب عن العقل والفكر والذكر ، فصارت تلك الكمالات مشعوراً بها من وجه دون وجه ، والشعور بها من بعض الوجوه يشوق إلى الشعور بدرجاتها ومراتبها ، وإذا كان لا نهاية لتلك المراتب والدرجات فكذلك لا نهاية لمراتب هذا الشوق ، وكلما كان وصول العبد إلى مرتبة أعلى مما كان ، أسهل كان شوقه إلى الترقي عن تلك الدرجة أقوى وأكمل ، فثبت أن لفظ " هو " يفيد الشوق إلى الله تعالى ، وإنما قلنا إن الشوق إلى الله أعظم المقامات ، وذلك لأن الشوق يفيد حصول آلام ولذات متوالية متعاقبة ، لأن بقدر ما يصل يلتذ وبقدر ما يمتنع وصوله إليه يتألم ، والشعور باللذة حال زوال الألم يوجب مزيد الالتذاذ والابتهاج والسرور ، وذلك يدل على أن مقام الشوق إلى الله أعظم المقامات ، فثبت أن المواظبة على ذكر كلمة " هو " تورث الشوق إلى الله تعالى وثبت أن الشوق إلى الله أعظم المقامات وأكثرها بهجة وسعادة فيلزم أن يقال : المواظبة على ذكر هذه الكلمة تفيد أعلى المقامات وأسنى الدرجات . الفائدة السادسة : في شرح جلالة هذا الذكر : واعلم أن المقصود لا يتم إلا بذكر مقدمتين : المقدمة الأولى : أن العلم على قسمين : تصور ، وتصديق ، أما التصور فهو أن تحصل في النفس صورة من غير أن تحكم النفس عليها بحكم البتة لا بحكم وجودي ولا بحكم عدمي ، أما التصديق فهو أن يحصل في النفس صورة مخصوصة ، ثم أن النفس تحكم عليها إما بوجود شيء أو عدمه إذا عرفت هذا فنقول : التصور مقام التوحيد ، وأما التصديق فإنه مقام التكثير . المقدمة الثانية : أن التصور على قسمين : تصور يتمكن العقل من التصرف فيه ، وتصور لا يمكنه التصرف فيه : أما القسم الأول : فهو تصور الماهيات المركبة ، فإنه لا يمكنه تصور الماهيات المركبة إلا بواسطة استحضار ماهيات أجزاء ذلك المركب ، وهذا التصرف عمل وفكر ، وتصرف من بعض الوجوه ، وأما القسم الثاني : فهو تصور الماهيات البسيطة المنزهة عن جميع جهات التركيبات فإن الإنسان لا يمكنه أن يعمل عملاً يتوسل به إلى استحضار تلك الماهية ، فثبت بما ذكرنا أن التصديق يجري مجرى التكثير بالنسبة إلى التصور ، وأن التصور توحيد بالنسبة إلى التصديق وثبت أيضاً أن تصور الماهية البسيطة هو النهاية في التوحيد والبعد عن الكثرة ، وإذا عرفت هذا فنقول : قولنا في الحق سبحانه وتعالى : " يا هو " هذا تصور محض خالٍ عن التصديق ، ثم إن هذا التصور تصور لحقيقة منزهة عن جميع جهات التركيب والكثرة ، فكان قولنا : " يا هو " نهاية في التوحيد والبعد عن الكثرة ، وهو أعظم المقامات .
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 149