نام کتاب : تفسير البحر المحيط نویسنده : أبي حيان الأندلسي جلد : 1 صفحه : 624
والأنفس والثمرات . وأتى بالجملة الخبرية مقسماً عليها ، تأكيداً لوقوع الابتلاء ، وإسناد الفعل إليه صريح في إضافة أسباب البلايا إليه . وأن هذه المحن من الله تعالى ، ووعده بها المؤمنين يدل على أنها ليست عقوبات ، بل إذا قارنها الصبر أفادت درجة عالية في الدين . وجاء هذا الترتيب في العطف على سبيل الترقي : فأخبر أولاً بالابتلاء بشيء من الخوف ، وهو توقع ما يرد من المكروه . ثم انتقل منه إلى الابتلاء بشيء من الجوع ، وهو أشد من الخوف بأي تفسير فسر به من القحط ، أو الفقر ، أو الحاجة إلى الأكل ، إلا على تفسير الشافعي ، وهو صوم رمضان . ولا ترقي بين نقص وشئ ، على ما اختاره من عطف نقص على بشيء ، بل الترقي في العطف بعدو نقص ، فبدأ أولاً بالأموال ، ثم ترقي إلى الأنفس . وأما والثمرات ، فجاء كالتخصيص بعد التعميم ، لأنها تندرج تحت الأموال ، فلا ترقي فيها . * ( وَبَشّرِ الصَّابِرِينَ ) * : خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ) ، أو لكل من تتأتى منه البشارة ، أي على الجهاد بالنصر ، أو على الطاعة بالجزاء ، أو على المصائب بالثواب ، أقوال : والأحسن عدم التقييد ، أي كل من صبر صبراً محموداً شرعاً ، فهو مندرج في الصابرين . قالوا : والصبر من خواص الإنسان ، لأنه يتعارض فيه العقل والشهوة ، وهو بدني . وهو : إما فعلي ، كتعاطي الأعمال الشاقة ، وإما احتمال ، كالصبر على الضرب الشديد ، ونفسي ، وهو قمع النفس عن مشتهيات الطبع . فإن كان من شهوة الفرج والبطن ، سمي عفة . وإن كان من احتمال مكروه ، اختلفت أسامية باختلاف المكروه . ففي المصيبة يقتصر عليه باسم الصبر ، ويضاده الجزع . وإن كان في الغنى ، سمي ضبط النفس ، ويضاده البطر . وإن كان في حرب ، سمي شجاعة ، ويضاده الجبن . وإن كان في نائبة مضجرة ، سمي سعة صدر ، ويضاده الضجر . وإن كان في إخفاء كلام ، سمي كتماناً ، وضاده الإعلان . وإن كان في فضول الدنيا ، سمي زهداً ، ويضاده الحرص . وإن كان على يسير من المال ، سمي قناعة ، ويضاده الشره . وقد جمع الله أقسام ذلك وسمى جميعها صبراً ، فقال : * ( وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاء ) * ، أي المصيبة والضرّاء ، أي الفقر وحين البأس ، أي المحاربة . قال القفال : ليس الصبر أن لا يجد الإنسان ألم المكروه ، ولا أن لا يكره ذلك ، إنما هو حمل النفس على ترك إظهار الجزع ، وإن ظهر دمع عين ، أو تغير لون ، ولو ظهر منه أول ما لا يعد معه صابراً ثم صبر ، لم يعد ذلك إلا سلواناً . * ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ ) * : يجوز في الذين أن يكون منصوباً على النعت للصابرين ، وهو ظاهر الإعراب ، أو منصوباً على المدح ، فيكون مقطوعاً ، أو مرفوعاً على إضمارهم على وجهين : إما على القطع ، وإما على الاستئناف ، كأنه جواب لسؤال مقدر ، أي : من الصابرون ؟ قيل : هم الذين الذين إذا . وجوزوا أن يكون الذين مبتدأ ، وأولئك عليهم خبره ، وهو محتمل . مصيبة : اسم فاعل من أصابت ، وصار لها اختصاص بالشيء المكروه ، وصارت كناية عن الداهية ، فجرت مجرى الأسماء ووليت العوامل . وأصابتهم مصيبة : من التجنيس المغاير ، وهو أن يكون إحدى الكلمتين إسماً والأخرى فعلاً ، ومنه : * ( أَزِفَتِ الاْزِفَةُ * إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) * . والمصيبة : كل ما أذى المؤمن في نفس أو مال أو أهل ، صغرت أو كبرت ، حتى انطفاء المصباح لمن يحتاجه يسمى : مصيبة . وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ، أنه استرجع عند انطفاء مصباحه . والمعنى في إذا هنا : على التكرار والعموم . وقد تقدم لنا ذكر الخلاف في إذا ، أتدل على التكرار ، أم وضعت للمرّة الواحدة ؟ قولان للنحويين . * ( قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ ) * : قالوا : جواب إذا ، والشرط وجوابه صلة للذين . وإنا : أصله إننا ، لأنها إن دخلت على الضمير المنصوب المتصل ، فحذفت نون من إن . وينبغي أن تكون المحذوفة هي الثانية ، لأنها ظرف ، ولأنها عهد فيها الحذف إذا خففت ، فقالوا : إن زيد لقائم ، وهو حذف هنا لاجتماع الأمثال ، فلذلك عملت ، إذ لو كان من الحذف لا لهذه العلة ، لانفصل الضمير وارتفع ولم تعمل ، لأنها إذا خففت هذا التخفيف لم تعمل في الضمير . ولله : معناه الإقرار بالملك والعبودية لله ، فهو المتصرّف فينا بما يريد من الأمور . * ( وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ ) * : إقرار بالبعث وتنبيه على مصيبة الموت التي هي أعظم المصائب ، وتذكير أن ما أصاب الإنسان دونها فهو قريب ينبغي أن يصير له . وللمفسرين في هاتين الجملتين المقولتين أقوال :
نام کتاب : تفسير البحر المحيط نویسنده : أبي حيان الأندلسي جلد : 1 صفحه : 624