نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 544
الكتاب والسنة وفسد مع ذلك اللسان فاحتيج إلى وضع القوانين النحوية وصارت العلوم الشرعية كلها ملكات في الاستنباطات والاستخراج والتنظير والقياس واحتاجت إلى علوم أخرى وهي الوسائل لها من معرفة قوانين العربية وقوانين ذلك الاستنباط والقياس والذب عن العقائد الايمانية بالأدلة لكثرة البدع والالحاد فصارت هذه العلوم كلها علوما ذات ملكات محتاجة إلى التعليم فاندرجت في جملة الصنائع وقد كنا قدمنا أن الصنائع من منتحل الحضر وأن العرب أبعد الناس عنها فصارت العلوم لذلك حضرية وبعد عنها العرب وعن سوقها والحضر لذلك العهد هم العجم أو من هم في معناهم من الموالي وأهل الحواضر الذين هم يومئذ تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف لأنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس فكان صاحب صناعة النحو سيبويه والفارسي من بعده والزجاج من بعدهما وكلهم عجم في أنسابهم وإنما ربوا في اللسان العربي فاكتسبوه بالمربى ومخالطة العرب وصيروه قوانين وفنا لمن بعدهم وكذا حملة الحديث الذين حفظوه عن أهل الاسلام أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغة والمربي وكان علماء أصول الفقه كلهم عجما كما يعرف وكذا حملة علم الكلام وكذا أكثر المفسرين ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم لو تعلق العلم بأكناف السماء لناله قوم من أهل فارس وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن البداوة فشغلتهم الرئاسة في الدولة وحاميتها وأولي سياستها مع ما يلحقهم من الآنفة عن انتحال العلم حينئذ بما صار من جملة الصنائع والرؤساء ابدا يستنكفون عن الصنائع والمهن وما يجر إليها ودفعوا ذلك إلى من قام به من العجم والمولدين وما زالوا يرون لهم حق القيام به فإنه دينهم وعلومهم ولا يحتقرون حملتها كل الاحتقار حتى إذا خرج الامر من العرب جملة وصار للعجم صارت العلوم الشرعية غريبة النسبة عند أهل الملك بما هم عليه من البعد عن نسبتها وامتهن حملتها بما يرون أنهم بعداء عنهم مشتغلين بما لا يغني ولا يجدي عنهم في الملك والسياسة كما ذكرناه في نقل المراتب الدينية فهذا الذي قررناه هو السبب في أن حملة الشريعة أو عامتهم من العجم وأما العلوم العقلية أيضا فلم تظهر في الملة إلا بعد أن
544
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 544