نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 537
من الفلسفة وعلوم هي وسيلة آلية لهذه العلوم كالعربية والحساب وغيرهما للشرعيات كالمنطق للفلسفة وربما كان آلة لعلم الكلام ولأصول الفقه على طريقة المتأخرين فأما العلوم التي هي مقاصد فلا حرج في توسعة الكلام فيها وتفريع المسائل واستكشاف الأدلة والانظار فإن ذلك يزيد طالبها تمكنا في ملكته وإيضاحا لمعانيها المقصودة وأما العلوم التي هي آلة لغيرها مثل العربية والمنطق وأمثالها فلا ينبغي أن ينظر فيها إلا من حيث هي آلة لذلك الغير فقط ولا يوسع فيها الكلام ولا تفرع المسائل لان ذلك مخرج لها عن المقصود إذ المقصود منها ما هي آلة له لا غير فكلما خرجت عن ذلك خرجت عن المقصود وصار الاشتغال بها لغوا مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتها بطولها وكثرة فروعها وربما يكون ذلك عائقا عن تحصيل العلوم المقصودة بالذات لطول وسائلها مع أن شأنها أهم والعمر يقصر عن تحصيل الجميع على هذه الصورة فيكون الاشتغال بهذه العلوم الآلية تضييعا للعمر وشغلا بما لا يعني وهذا كما فعل المتأخرون في صناعة النحو وصناعة المنطق وأصول الفقه لأنهم أوسعوا دائرة الكلام فيها وأكثروا من التفاريع والاستدلالات بما أخرجها عن كونها آلة وصيرها من المقاصد وربما يقع فيها أنظار لا حاجة بها في العلوم المقصودة فهي من نوع اللغو وهي أيضا مضرة بالمتعلمين على الاطلاق لان المتعلمين اهتمامهم بالعلوم المقصودة أكثر من اهتمامهم بوسائلها فإذا قطعوا العمر في تحصيل الوسائل فمتى يظفرون بالمقاصد فلهذا يجب على المعلمين لهذه العلوم الآلية أن لا يستبحروا في شأنها وينبهوا المتعلم على الغرض منها ويقفوا به عنده فمن نزعت به همته بعد ذلك إلى شئ من التوغل فليرق له ما شاء من المراقي صعبا أو سهلا وكل ميسر لما خلق له الفصل الواحد والثلاثون في تعليم الولدان واختلاف مذاهب الأمصار الاسلامية في طرقه إعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين أخذ به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الايمان وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه
537
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 537