نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 517
فامر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه وقد صرح بذلك محققوهم حيث ذهبوا إلى أن مالا مادة له لا يمكن البرهان عليه لان مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية وقال كبيرهم أفلاطون إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى أينين وإنما يقال فيها بالأخلق والأولى يعني الظن وإذا كنا إنما نحصل بعد التعب والنصب على الظن فقط فيكفينا الظن الذي كان أولا فأي فائدة لهذه العلوم والاشتغال بها ونحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحس من الموجودات وهذه هي غاية الأفكار الانسانية عندهم وأما قولهم إن السعادة في إدراك الموجودات على ما هي عليه بتك البراهين فقول مزيف مردود وتفسيره أن الانسان مركب من جزءين أحدهما جسماني والآخر روحاني ممتزج به ولكل واحد من الجزءين مدارك مختصة به والمدرك فيهما واحد وهو الجزء الروحاني يدرك تارة مدارك روحانية وتارة مدارك جسمانية إلا أن المدارك الروحانية يدركها بذاته بغير واسطة والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه واعتبره بحال الصبي في أول مداركه الجسمانية التي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضوء وبما يسمعه من الأصوات فلا شك أن الابتهاج بالادراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ فالنفس الروحانية إذا شعرت بادراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذة لا يعبر عنهما وهذا الادراك لا يحصل بنظر ولا علم وإنما يحصل بكشف حجاب الحس ونسيان المدارك الجسمانية بالجملة والمتصوفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا الادراك للنفس بحصول هذه البهجة فيحاولون بالرياضة إماتة القوى الجسمانية ومداركها حتى الفكر من الدماغ وليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب والموانع الجسمانية يحصل لهم بهجة ولذة لا يعبر عنهما وهذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم فاما قولهم إن البراهين والأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الادراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته إذ البراهين والأدلة من جملة المدارك الجسمانية لأنها بالقوى الدماغية من الخيال والفكر والذكر ونحن نقول إن أول شئ نعنى به في تحصيل هذا الادراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها لأنها منازعة له قادحة فيه وتجد الماهر منهم عاكفا
517
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 517