نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 476
الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له وأول ما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انفتل من صلاة الغداة يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا يسألهم عن ذلك ليستبشر بما وقع من ذلك مما فيه ظهور الدين وإعزازه وأما السبب في كون الرؤيا مدركا للغيب فهو أن الروح القلبي وهو البخار اللطيف المنبعث من تجويف القلب اللحمي ينتشر في الشريانات ومع الدم في سائر البدن وبه تكمل أفعال القوى الحيوانية وإحساسها فإذا أدركه الملال بكثرة التصرف في الإحساس بالحواس الخمس وتصريف القوى الظاهرة وغشي سطح البدن ما يغشاه من برد الليل انحبس الروح من سائر أقطار البدن إلى مركزه القلبي فيستحم بذلك لمعاودة فعله فتعطلت الحواس الظاهرة كلها وذلك هو معنى النوم كما تقدم في أول الكتاب ثم إن هذا الروح القلبي هو مطية للروح العاقل من الانسان والروح العاقل مدرك لجميع ما في عالم الامر بذاته إذ حقيقته وذاته عين الادراك وإنما يمنع من تعلقه للمدارك الغيبية ما هو فيه من حجاب الاشتغال بالبدن وقواه وحواسه فلو قد خلا من هذا الحجاب وتجرد عنه لرجع إلى حقيقته وهو عين الادراك فيعقل كل مدرك فإذا تجرد عن بعضها خفت شواغله فلا بد له من إدراك لمحة من عالمه بقدر ما تجرد له وهو في هذه الحالة قد خفت شواغل الحس الظاهر كلها وهي الشاغل الأعظم فاستعد لقبول ما هنالك من المدارك اللائقة من عالمه وإذا أدرك ما يدرك من عوالمه رجع إلى بدنه إذ هو ما دام في بدنه جسماني لا يمكنه التصرف إلا بالمدارك الجسمانية والمدارك الجسمانية للعلم إنما هي الدماغية والمتصرف منها هو الخيال فإنه ينتزع من الصور المحسوسة صورا خيالية ثم يدفعها إلى الحافظة تحفظها له إلى وقت الحاجة إليها عند النظر والاستدلال وكذلك تجرد النفس منها صورا أخرى نفسانية عقلية فيترقى التجريد من المحسوس إلى المعقول والخيال واسطة بينهما ولذلك إذا أدركت النفس من عالمها ما تدركه ألقته إلى الخيال فيصوره بالصورة المناسبة له ويدفعه إلى الحس المشترك فيراه النائم كأنه محسوس فيتنزل المدرك من الروح العقلي إلى الحسي والخيال أيضا واسطة هذه حقيقة
476
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 476