نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 474
تصير مقاما ويترقى منه إلى غيره كما قلناه وثانيها الكلام في الكشف والحقيقة المدركة من عالم الغيب مثل الصفات الربانية والعرش والكرسي والملائكة والوحي والنبوءة والروح وحقائق كل موجود غائب أو شاهد وتركيب الأكوان في صدورها عن موجودها وتكونها كما مر وثالثها التصرفات في العوالم والأكوان بأنواع الكرامات ورابعها ألفاظ موهمة الظاهر صدرت من الكثير من أئمة القوم يعبرون عنها في اصطلاحهم بالشطحات تستشكل ظواهرها فمنكر ومحسن ومتأول فاما الكلام في المجاهدات والمقامات وما يحصل من الأذواق والمواجد في نتائجها ومحاسبة النفس على التقصير في أسبابها فامر لا مدفع فيه لاحد وأذواقهم فيه صحيحة والتحقق بها هو عين السعادة وأما الكلام في كرامات القوم وأخبارهم بالمغيبات وتصرفهم في الكائنات فامر صحيح غير منكر وإن مال بعض العلماء إلى إنكارها فليس ذلك من الحق وما احتج به الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائني من أئمة الأشعرية على إنكارها لالتباسها بالمعجزة فقد فرق المحققون من أهل السنة بينهما بالتحدي وهو دعوى وقوع المعجزة على وفق ما جاء به قالوا ثم إن وقوعها على وفق دعوى الكاذب غير مقدور لان دلالة المعجزة على الصدق عقلية فان صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكاذب لتبدلت صفة نفسها وهو محال هذا مع أن الوجود شاهد بوقوع الكثير من هذه الكرامات وإنكارها نوع مكابرة وقد وقع للصحابة وأكابر السلف كثير من ذلك وهو معلوم مشهور وأما الكلام في الكشف وإعطاء حقائق العلويات وترتيب صدور الكائنات فأكثر كلامهم فيه نوع من المتشابه لما أنه وجداني عندهم وفاقد الوجدان عندهم بمعزل عن أذواقهم فيه واللغات لا تعطى له دلالة على مرادهم منه لأنها لم توضع للمتعارف وأكثره من المحسوسات فينبغي أن لا نتعرض لكلامهم في ذلك ونتركه فيما تركناه من المتشابه ومن رزقه الله فهم شئ من هذه الكلمات على الوجه الموافق لظاهر الشريعة فأكرم بها سعادة وأما الألفاظ الموهمة التي يعبرون عنها بالشطحات ويؤاخذهم بها أهل الشرع فاعلم أن الانصاف في شان القوم أنهم أهل غيبة عن الحس والواردات تملكهم حتى ينطقوا عنها بما لا يقصدونه وصاحب الغيبة غير مخاطب والمجبور معذور فمن
474
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 474