نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 460
محدثة وخلق الله أكبر من خلق الناس والحصر مجهول والوجود أوسع نطاقا من ذلك والله من ورائهم محيط فاتهم إدراكك ومدركاتك في الحصر واتبع ما أمرك الشارع به من اعتقادك وعملك فهو أحرص على سعادتك وأعلم بما ينفعك لأنه من طور فوق إدراكك ومن نطاق أوسع من نطاق عقلك وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه بل العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينية لا كذب فيها غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة وحقيقة النبوءة وحقائق الصفات الإلهية وكل ما وراء طوره فان ذلك طمع في محال ومثال ذلك مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال وهذا لا يدرك على أن الميزان في أحكامه غير صادق لكن العقل قد يقف عنده ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه وتفطن في هذا الغلط ومن يقدم العقل على السمع في أمثال هذه القضايا وقصور فهمه واضمحلال رأيه فقد تبين لك الحق من ذلك وإذ تبين ذلك فلعل الأسباب إذا تجاوزت في الارتقاء نطاق إدراكنا ووجودنا خرجت عن أن تكون مدركة فيضل العقل في بيداء الأوهام ويحار وينقطع فإذا التوحيد أو العجز عن إدراك الأسباب وكيفيات تأثيرها وتفويض ذلك إلى خالقها المحيط بها إذ لا فاعل غيره وكلها ترتقي إليه وترجع إلى قدرته وعلمنا به إنما هو من حيث صدورنا عنه وهذا معنى ما نقل عن بعض الصديقين العجز عن الادراك إدراك ثم إن المعتبر في هذا التوحيد ليس هو الايمان فقط الذي هو تصديق حكمي فان ذلك من حديث النفس وإنما الكمال فيه حصول صفة منه تتكيف بها النفس كما أن المطلوب من الاعمال والعبادات أيضا حصول ملكة الطاعة والانقياد وتفريغ القلب عن شواغل ما سوى المعبود حتى ينقلب المريد السالك ربانيا والفرق بين الحال والعلم في العقائد فرق ما بين القول والاتصاف وشرحه أن كثيرا من الناس يعلم أن رحمة اليتيم والمسكين قربة إلى الله تعالى مندوب إليها ويقول بذلك ويعترف به ويذكر مأخذه من الشريعة وهو لو رأى يتيما أو مسكينا من أبناء المستضعفين لفر عنه واستنكف أن يباشره فضلا عن التمسح عليه للرحمة وما بعد ذلك من مقامات العطف والحنو والصدقة فهذا إنما حصل له
460
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 460