دنا من معسكر الأعاجم فاقتتلوا ثم تحاجزوا عن قتلى وجرحى ، وتقاتلوا من الغد حتى صبغت الدماء متن الخيل ، وتحاجزوا عند المساء ، فبات المسلمون يوقدون النيران ويعصبون بالخرق ، لهم أنين بالجراح ودوي بالقرآن ، وبات المشركون في المعازف والخمور وبهم من الجراح مثل ما بالمسلمين ، وأصبحوا يوم الجمعة ، فأقبل النعمان معلماً ببياض على برذون قصير ، عليه قباء أبيض مصقول وقلنسوة بيضاء مصقولة فوقف على الرايات فحضهم وقال : يا معشر المسلمين ، إن هؤلاء قد أخطروا لكم أخطاراً وأخطرتم لهم أخطاراً ، أخطروا لنا دنيا وأخطرتم لهم الإسلام ، فالله الله في الإسلام أن تخذلوه ، فإنكم أصبحتم باباً بين المسلمين والمشركين فإن كسر الباب دخل على الإسلام ، ليشغل كل امرئ منكم قرنه ولا يجعله على صاحبه فإنه لؤم وخذلان ووهل وفشل ، وإني هاز الراية ، فإذا هززتها فلتأخذ الرجال أهبتها ، وليتعهد أصحاب الخيل أعنتها وحزمها ، فإذا هززتها الثانية فليعرف كل امرئ منكم مصوب رمحه وموضع سلاحه ووجه مقاتله ، فإذا هززتها الثالثة وكبرت فكبروا واستنصروا الله تعالى واذكروه ، وإذا حملت فاحملوا ، فقال رجل من أهل العراق : قد سمعنا مقالتك أيها الأمير ، ونحن واقفون عند قولك ، منتهون إلى رأيك ، فأول النهار أحب إليك أو آخره ؟ قال : آخره ، حين تهب الرياح وتحل الصلاة وينزل النصر لمواقيت الصلاة ، فأمهل الناس حتى إذا زالت الشمس هز الراية ، فقضى الناس حوائجهم وشدت الرجال مناطقها ونزع أصحاب الخيل المخالي عن خيلهم وقرطوها أعنتها وشدوا حزمها وتأهبوا للحرب ، ثم أمهل حتى إذا كان في آخر الوقت هزها وصلى الناس ركعتين ، وجال أصحاب الخيل في متونها وصوبوا رماحهم فوضعوها بين آذان خيولهم ، وأقبلت الأعاجم على براذينهم عليهم الرايات المدبجة والمناطق المذهبة ، ووقف ذو الحاجب على بغلته ، فإنه زي الأعاجم وهم في حربهم ، وإن لأقدامهم في ركبهم لزلزلة ، وإن الأسوار ليأخذ النشابة فما يسدد الفوق للوتر وما يتمالك أن يضعها على قوسه ، فقال النعمان : يا معشر المسلمين ، إني هاز الراية الثالثة ، وحاملاً فاحملوا ولا يلو أحد على أحد ، وإن قيل قتل النعمان فلا يلوين أحد على أحد ، وإني داع بدعوة ، فعزمت على كل رجل منكم إلا قال : اللهم أعط النعمان اليوم الشهادة في نصر المسلمين وافتح عليهم . ثم نثل درعه وهز الراية وكبر فكبر الأدنى فالأدنى ممن حوله حتى عشيهم التكبير من السماء ، وصوب رايته كأنها جناح طائر وحمل وحمل الناس ، فكان أول صريع ، ومر به معقل بن يسار فذكر دعوته ألا يلوي أحد على أحد ، فجعل علماً عنده ، ومر أخوه سويد بن مقرن أو نعيم فألقى عليه ثوباً كيلا يعرف ونصب الراية وهي تقطر دماً قد قتل بها قبل أن يصرع وسقط ذو الحاجب عن بغلته فانشق بطنه ، وانهزم المشركون فاتبعوهم يقتلونهم كيف شاءوا . قال بعض من حضر ذلك اليوم : إني لفي الثقل فثارت بيننا وبين القوم عجاجة قسطلانية ، فجعلت أسمع وقع السيوف على الهام ، ثم كشطت فإذا المسلمون كالذئاب تتبع الغنم . واتبعتهم طائفة من المسلمين حتى دخلوا مدينتهم ، ثم رجعوا وحوى المسلمون عسكرهم ، ورجع معقل بن يسار فسار إلى النعمان بعد انهزام المشركين ، ومعه إداوة فيها ماء ، فغسل التراب عن وجهه ، فقال : من أنت ؟ قال : معقل بن يسار ، قال : ما فعل الناس ؟ قال : فتح الله عليهم قال : الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر رضي الله عنه ، وفاضت نفسه ، فاجتمع الناس وفيهم ابن الزبير وابن عمر رضي الله عنهم ، فأرسلوا إلى أم ولده فقالوا : عهد إليك عهداً ؟ فقالت : هاهنا سفط فيه كتاب ، فأخذوه فإذا كتاب عمر رضي الله عنه إلى النعمان : إن حدث بك حدث فالأمير حذيفة ، فإن قتل ففلان ، فإن قتل ففلان ، فتولى أمر الناس حذيفة رضي الله عنه ، فأمر بالغنائم فجمعت ثم سار إلى مدينة نهاوند ، وحملت تلك الغنائم إلى عسكرهم ، وحضر أهل المدينة فقاتلوهم ، فبينا هم يطاردونهم إذ لحق سماك بن عبيد عظيماً من عظمائهم يقال له دينار ، فسأله الأمان فأمنه فأدخله على حذيفة رضي الله عنه ، فصالحه عن البلد على ثمانمائة ألف وشئ من العسل والسمن ، وقال : إن لكم الوفاء بالعهد ، وأخاف عليكم خمسة أشياء : الخب والبخل والغدر والخيلاء والفجور من قبل القبط والروم وفارس ومن قبل أهل الأهواز . وأتى السائب بن الأقرع دهقان وقد جمعت الغنائم فقال : أتؤمنني على دمي ودماء قرابتي وأدلك على كنز النخيرجان ، لم تجلبوا عليه في الحرب فيقسم وتجري عليه السهام ، ولم تحرزوه بجزية أقاموا عليها ، وإنما هو دفين دفنوه وفروا عنه فتأخذه لصاحبكم ، يعني عمر رضي الله عنه ، تخصه به ؟ فقال : أنت