ترجمة نهاوند " وجدت كما هي " سميت بذلك لأنها لم توجد بعد الطوفان قرية فيها بقية سواها . ونهاوند مدينة جليلة على جبل ذات سور طين ، ولها بساتين وجنات وفواكه ومتنزهات ومياهها كثيرة وفواكهها تحمل إلى العراق لطيبها وكبرها وبها جامعان أحدهما قديم والآخر محدث ، وهي كثيرة الرساتيق والعمارات . وفيها كان اجتماع الفرس لما لقيهم النعمان بن مقرن المزني سنة ثلاث وعشرين . قال الهمداني : لم يوجد مما كان تحت الماء وقت الغرق من القرى قرية فيها بقية سوى نهاوند . وكان عمر رضي الله عنه قال للهرمزان : أما إذ فتني بنفسك فأشر علي ، أبفارس أبدأ أو بالجبال : أذربيجان وأصبهان ؟ قال : فارس الرأس ، والجبال جناحان ، فاقطع الجناحين فلا يتحرك الرأس ، قال عمر رضي الله عنه : بل أقطع الرأس فلا يقوم جسد ولا جناح ولا رجل . وكتب ابن كسرى إلى أهل الجبال : أصبهان وهمذان وقومس : إن العرب قد ألحوا علي . فاجتمعوا بنهاوند وتعاقدوا على غزو أمير العرب يعنون عمر رضي الله عنه ، في بلاده ، فكتب أهل الكوفة بذلك إلى عمر رضي الله عنه : فقام على المنبر فقال : أين المسلمون أين المهاجرون والأنصار فاجتمع الناس . فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال : إن عظماء أهل الري وأهل أصبهان وأهل همذان وأهل نهاوند وأهل قومس وأهل حلوان ، أمم مختلفة ألوانها وألسنتها وأديانها ومللها ، وقد تعاقدوا على أن يخرجوا إخوانكم من بلادهم ، وأن يغزوكم في بلادكم فأشيروا علي وأوجزوا ولا تطنبوا ، فمنهم من صرف الأمر إليه وولاه ما تولى ، ليمن نقيبته وخبرته ، ومنهم من أشار بأن يتوجه إليهم بأهل الحرمين وأهل اليمن والشام حتى يلتقي الجمع الجمع ، ومنهم من أشار بأن يكتب إلى أهل البصرة فليفترقوا ثلاث فرق : فرقة في ديارهم ، وفرقة في أهل عهدهم ، وتسير فرقة إلى إخوانهم بالكوفة ، قال : هذا رأيي وكنت أحب أن أتابع عليه ، لعمري لئن سرت بأهل الحرمين ونظر إلي الأعاجم لتنقضن الأرض وليمدنهم من لم يمدهم ، وليقولن : أمير العرب إن قطعناه قطعنا أصل العرب . فكتب إلى النعمان بن مقرن وكان بكسكر ، وكان قد كتب إلى عمر رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين إنما مثلي ومثل كسكر مثل شاب عند مومسة تلون له كل يوم وتعطر ، وأنا أذكرك الله تعالى إلا بعثتني في جيش إلى ثغر غازياً ولا تبعثي جابياً ، فندب عمر رضي الله عنه أهل المدينة ، فانتدب منهم جمع فوجههم إلى الكوفة وكتب إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه أن يستنفر ثلث أهل الكوفة فيسيروا إلى العجم بنهاوند فقد وليت عليهم النعمان بن مقرن ، وكتب إلى أبي موسى رضي الله عنه يستنفر ثلث أهل البصرة إلى نهاوند ، وكتب إلى النعمان : إني وجهت جيشاً من أهل المدينة وأهل البصرة وأهل الكوفة إلى نهاوند ، وأنت على الناس ومعك في الجيش طليحة بن خويلد وعمرو بن معدي كرب فأحضرهما الناس وشاورهما في الحرب فإن حدث بك حدث فأمير الناس حذيفة ، فإن قتل فجرير فإن قتل فالمغيرة بن شعبة . وبعث عمر رضي الله عنه بالكتاب مع السائب بن الأقرع بن عوف وقال له : إن سلم الله تعالى ذلك الجند فقد وليتك مغانمهم ومقاسمهم ، فلا ترفعوا لي باطلاً ولا تمنعن أحداً حقه وإن هلك ذلك الجند فاذهب في الأرض فلا أرينك أبداً . فسار جميعهم إلى نهاوند وسار النعمان فتوافوا بنهاوند وبها من الأعاجم ستون ألفاً عليهم ذو الفروة ، وهو ذو الحاجب ، وقد خندقوا وهالوا في الخندق تراباً قد نخلوه وبعث النعمان طليحة بن خويلد ليعلم علم القوم ، فأبطأ حتى ساء ظن الناس به ، فعلم علمهم ثم رجع ، فلم يمر بجماعة إلا كبروا ، فأنكر ذلك منهم ، وقال : ما لكم تكبرون إذا رأيتموني ؟ قالوا : ظننا أنك فعلت كفعلتك قال : لو لم يكن دين لحميت أن أجزر العرب هذه الأعاجم الطماطم وأخبر الناس بعدة القوم وكثرتهم فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل . وأقام النعمان أياماً حتى يستجم الناس أنفسهم وظهرهم ، ثم