إسم الكتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار ( عدد الصفحات : 629)
وأنمار وربيعة ليحكم بينهم في قسمة ميراث أبيهم ، وهي قصة مشهورة . النجف : بالعراق بظهر الكوفة ، وهو البساتين والمتنزهات التي يشرف الخورنق عليها ، وذكر صاحب المنطق أن موضع البر قد يكون بحراً وموضع البحر قد يكون براً ، قال : وللمواضع شباب وهرم وحياة وموت كما في الحيوان ، وقد كان البحر فيما سلف في الموضع المعروف بالنجف ، وهو بالحيرة ، وكانت ترفأ هناك سفن الهند والصين ، ترد على ملوك الحيرة فصار بين الحيرة وبين البحر الآن مسيرة أيام كثيرة ، ومن رأى النجف وأشرف عليه تبين ما وصفنا . وبالنجف نزل خالد بن الوليد في سلطان أبي بكر رضي الله عنهما بعد أن فتح الله اليمامة ، وقتل كذابها يريد الحيرة ، فتحصن منه أهلها في القصر الأبيض ، فلما نزل خالد رضي الله عنه بالنجف بعث إليهم أن ابعثوا إلي رجلاً من عقلائكم ، فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة الغساني وبقيلة هو الذي بنى القصر الأبيض ، ودعي بقيلة لأنه خرج يوماً وعليه ثياب خضر ، فقال له قومه : ما هذا إلا بقيلة ، وعبد المسيح هذا هو الذي رأى سطيحاً وسأله عن رؤيا الموبذان وارتجاج الأبوان فأتى عبد المسيح خالداً وله يومئذ ثلاثمائة سنة وخمسون ، فتجاهل عبد المسيح وأحب أن يريه من نفسه ما يعرف به عمله ، فقال له : من أين أقصى أثرك ؟ قال : من صلب أبي ، قال : فمن أين جئت ؟ قال : من بطن أمي ، قال : فعلام أنت ويحك ؟ قال : على الأرض ، قال : أتعقل ؟ قال : أي والله وأقيد ، . . . الخبر بطوله ، وقد مر في حرف الحاء . وكان خالد قال لعبد المسيح : ما أدركت ؟ قال : أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا النجف بمتاع الهند والصين ، وأمواج البحر تضرب ما تحت قدمك ، وقال : رأيت المرأة من أهل الحيرة تأخذ مكتلها فتضعه على رأسها لا تزود إلا رغيفاً ، فلا تزال في قرى عامرة وعمائر متصلة وأشجار مثمرة ومياه عذبة حتى ترد الشام ، ونراها اليوم قد أصبحت يباباً ، وذلك دأب الله تعالى في العباد والبلاد . وحكي أن أبا جعفر المنصور وجه في إشخاص جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم من المدينة إلى العراق ، فلما سار إلى النجف توضأ للصلاة ثم قال : اللهم بك أستفتح وبك أستنجح ، سهل لي حزونته ولين لي عريكته ، وأعطني من الخير ما أرجو ، وادرأ عنى من الشر ما أخاف وأحذر ، فلما دخل عليه قام إليه وأكرمه وبره وغلفه بيده وأصرفه إلى منزله وإنما كان أشخصه ليقتله رضي الله عنه . نجيرم : بلد من بلاد سيراف منها أبو يعقوب النجيرمي وبينهما ثلاثة عشر فرسخاً . النجير : هي حضرموت وأنشدوا للأعشى : وأبتذل العيس المراقيل تغتلي * مسافة ما بين النجير فصرخدا وقيل هو حصن في اليمن ، فيه تحصن الأشعث بن قيس بن معدي كرب ومن ارتد معه ، فقال له من نصحه : أنشدك الله يا أشعث ووفادتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه أن تنقضه اليوم ، والله ليقومن بهذا الأمر من يقتل من خالفه ، وإياك إياك ، أبق على نفسك ، فإنك إن تقدمت تقدم الناس ، وإن تأخرت افترقوا واختلفوا ، فأبى الأشعث وقال : قد رجعت العرب إلى ما كانت الآباء تعبد ، ونحن أقصى العرب داراً من أبي بكر ، فكيف يبعث إلينا الجيوش ، قال : أي والله وأحرى ألا يدعك عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجع إلى الكفر ، يعني زياد بن لبيد الأنصاري ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إليهم فتضاحك ثم قال : أما يرضى زياد أن أجيره ، فقال له : سترى ، ثم قام الأشعث فخرج من المسجد إلى منزله وقد أظهر ما أظهر من الكلام القبيح من غير أن يكون نطق بالردة ، ووقف يتربص وانحاز بأصحابه إلى حصن النجير فأغلقوه ، فحاصره المسلمون لا يفارقونه ليلاً ولا نهاراً ، وقذف الله الرعب في قلوبهم ، فلما اشتد عليهم الحصار بعث إلى زياد بن