إسم الكتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار ( عدد الصفحات : 629)
المراكب المسمرة بالحديد إلا اجتذبها إليه وأمسكه فلا يكاد يتخلص منه البتة . مؤتة : قرية بالشام ، بعث إليها رسول الله الجيش سنة ثمان ، عليهم زيد بن حارثة وقال : " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة . وخرجوا في ثلاثة آلاف ، وودعهم المسلمون فقالوا لهم : صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين ، فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه : لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي * أرشده الله من غاز وقد رشدا ومضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام ، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلي مائة ألف منهم ، فأقام الناس ليلتين على معان ينظرون في أمرهم ، وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له ، فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال : يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون ، الشهادة ، وما يقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، وما نقابلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة ، فقال الناس : قد والله صدق ابن رواحة ، فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل والروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ، ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، فالتقى الناس عندها ، فتعبى لهم المسلمون ثم التقوا فاقتتلوا ، فقاتل زيد بن حارثة رضي الله عنه براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم ، ثم أخذها جعفر رضي الله عنه فقاتل بها حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء ، قال المخبر : والله كأني أنظر إليه حين اقتحم عنها ثم عقرها ثم قاتل القوم حتى قتل ، وهو يقول : يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارداً شرابها والروم روم قد دنا عذابها علي إذ لاقيتها ضرابها وكان جعفر رضي الله عنه أول من عقر في الإسلام ، ووجد في مقدمه مائتا ضربة بسيف وطعنة برمح واثنتان وسبعون جراحة ، ولما قتل جعفر رضي الله عنه أخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ثم تقدم بها وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ويتردد ، ثم قال : أقسمت بالله لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه أن اجلب الناس وشدوا الرنه مالي أراك تكرهين الجنة قد طال ما قد كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شنه وقال أيضا : يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت يعني صاحبيه زيداً وجعفراً رضي الله عنهما ، ثم نزل فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال : شد بهذا صلبك فإنك قد لقيت أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده فانتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال : وأنت في الدنيا ، ثم ألقاه من يده وأخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية ثابت بن أرقم أحد بني العجلان ، فقال : يا معشر المسلمين ، اصطلحوا على رجل منكم ، فاصطلحوا على خالد بن الوليد رضي الله عنه ، فلما أخذ الراية دافع القوم وحاشى بهم ، ثم انحاز وانحيز عنه حتى انصرف بالناس ،