ورفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة ، ثم زادت بمن استقر بها من النصارى وغيرهم من النوبة ثلاثة آلاف دينار ، فجعل عمرو يبحث عن الأموال ويضمها إلى بيت المال ، فذكر له أن عند عظيم الصعيد مالاً كثيراً ، فبعث إليه فيه ، فقال له : ما عندي مال ، فسجنه ، وسأل عمرو رضي الله عنه من كان يدخل إليه : هل يسمعونه يذكر أحداً ؟ فقالوا له : سمعناه يكثر ذكر راهب الطور ، فبعث عمرو رضي الله عنه فأتى بخاتم المسجون ، وكتب كتاباً على لسانه إلى ذلك الراهب ، فأتي بقلة من نحاس مختومة برصاص ، فإذا فيها كتاب فيه : يا بني إذا أردتم مالكم فاحفروا تحت الفسقية ، وهي السقاية ، فحفروا فاستخرجوا خمسين أردباً دنانير ، والأردب نحو قنطار ونصف . ثم أمر عمرو رضي الله عنه المسلمين ببناء دور يسكنونها بالفسطاط ، وهي مدينة مصر اليوم ، وإنما سميت مدينة مصر الفسطاط لأن عمرو بن العاصي رضي الله عنه حين دخل مصر وضرب فسطاطه بذلك الموضع فلما أراد التوجه إلى الإسكندرية لقتال من بها من الروم ، أمر بنزع الفسطاط ، فإذا فيه حمام قد أفرخ ، فقال عمرو رضي الله عنه : لقد تحرم هذا منا بمحرم ، فأمر بالفسطاط فأقر مكانه وأوصى عليه ، فلما قفل المسلمون من الإسكندرية بعد فتحها قال الناس : أين ننزل ؟ فقيل : الفسطاط ، لفسطاط عمرو الذي تركه في المنزل بمصر . ثم بدأ عمرو بن العاصي رضي الله عنه ببناء المسجد ، وكان في موضعه حدائق وأعناب فقطعها ، ووضعوا أيديهم في البناء فلم يزل عمرو ومن حضر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قياماً حتى وضعت القبلة ، فلما أتمه اتخذ فيه منبراً ، فكان يخطب عليه ، فوصل ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فكتب إلى عمرو بن العاصي : أما بعد : فإنه بلغني أنك اتخذت منبراً ترقى فيه على رقاب المسلمين أوما يسعك أن تقوم قائماً والناس من تحتك ، فعزمت عليك لما كسرته . ثم اختط عمرو داره التي هي اليوم عند باب المسجد ، بينهما الطريق ، وكذلك اختط جميع من أراد سكنى مصر من المسلمين داراً لنفسه ، واختط الزبير رضي الله عنه داراً ، وجعل فيها السلم الذي صعد عليه إلى الحصن المتقدم الذكر ، فلما ولي عبد الملك بن مروان اغتصبها من آل الزبير واصطنعها لنفسه ، فلما ولي أبو جعفر المنصور ردها على هشام بن عروة من بني الزبير . وحكى ابن عساكر أن رجلاً ذكر أنه لقي الياس عليه السلام وسأله : كم الأبدال ؟ فقال : ستون خمسون ما بين عريش مصر إلى شاطئ الفرات ، ورجلان بالمصيصة ، ورجل بأنطاكية ، وسبعة في سائر أمصار العرب ، بهم يسقون الغيث وبهم ينصرون على العدو ، وبهم يقيم الله أمر الدنيا ، فإذا أراد أن يهلكها أماتهم أجمعين . المصيصة : من ثغور الشام بالقرب من أنطاكية ، والمصيصة مدينتان بينهما نهر عظيم يقال له جيحان ، وهما على ضفتيه وبينهما قنطرة من حجارة ، واسم الواحدة المصيصة والأخرى كفربيا ، ولها بساتين وزروع ، وجيحان يخرج من بلاد الروم حتى يصل المصيصة ، وبين المصيصة والبحر اثنا عشر ميلاً . والمصيصة مكسورة الميم ، قال الأصمعي : ولا يقال غير ذلك . وفي سنة أربعين ومائة كتب أبو جعفر المنصور إلى صالح بن علي يأمره ببناء المصيصة ، فوجه صالح جبريل بن يحيى فرابط بها حتى بناها وفرغ منها سنة إحدى وأربعين ومائة ، وأنزلها الناس . وذكروا أنه من أطال الصوم بالمصيصة هاجت به المرة السوداء ، وقد يجن . وباب المصيصة الذي يلي البحر لا يغير البحر صفاء حديده ولا يولد فيه صدأ وكأنه قد جلي بالأمس ، وتعبر الجسر بالمصيصة فتسير في صحراء ملساء خمسة فراسخ إلى أذنة . المضيق : بين بلاد الخانوقة وقرقيسيا ، بها كان مسكن جذيمة في زمان ملوك الطوائف وهو الذي قتلته الزبا بنت عمرو في الخبر المشهور . معتب : عند جزيرة سقطرة من اليمن وهو مغاص اللؤلؤ ،