ولها حصون وقلاع وقواعد وأقاليم معدومة المثال ، ومنها إلى بلنسية خمس مراحل ، ومنها إلى قرطبة عشر مراحل . ويخرج من نهر مرسية جدول على مقربة من قنطرة اشكابة قد نقر له الأول في الجبل ، وهو حجر صلد ، وجابوه نحو ميل ، وهذا الجدول هو الذي يسقي قبلي مرسية ، ونقبوا بإزاء هذا النقب في الجبل المحاذي لهذا الجبل نقباً آخر مسافة نحو ميلين أخرجوا فيه جدولاً ثانياً ، وهو الذي يسقي جوفي مرسية ، ولهذين الجدولين منافس في أعلى الجبلين ومناهر إلى الوادي تنقى الجدولان منه بفتحها وانحدار الماء مما اجتمع من الغثاء فيهما ، ولا يسقى من نهر مرسية شيء بغير هذين الجدولين إلا بما رفع بالدواليب والسواني ، وبين موضع هذين النقبين ومرسية ستة أميال . مربيطر : حصن بالأندلس قريب من طرطوشة ، وهو على جبل ، والبحر بقبليه ، ويظهر منه شرقاً وغرباً . وبمربيطر جامع ومساجد ، وفيها آثار للأول : دار ملعب وأصنام وغير ذلك ، وهي كثيرة الزيتون والشجر والأعناب وأصناف الثمار ، ومن مربيطر إلى أول قرى بريانة تسعة عشر ميلاً ونصف ميل . مرمجنة : بإفريقية قريب من الأربس ، وبينها وبين مجانة مرحلتان . ولما دخل عبد الله بن سعد إفريقية غازياً في صدر الإسلام وقتل جرجيراً صاحب سبيطلة وانهزمت الروم وتفرقوا في القلاع وتبعهم المسلمون فبلغت خيلهم قصور قفصة وجاوزها إلى مرمجنة . وكانت مدينة كبيرة قديمة أولية وفيها آثار للأول وبها عيون سائحة ، وهي على نظر واسع كثير الخيرات . مراكش : شمال أغمات وعلى اثني عشر ميلاً منها بداخل المغرب ، بناها يوسف بن تاشفين أمير المسلمين في صدر سنة سبعين وأربعمائة ، وقيل سنة تسع وخمسين وأربعمائة ، بعد أن اشترى أرضها من أهل أغمات بجملة أموال واختطها له ولبني عمه ، وهي في وطاء من الأرض ، وليس حولها من الجبال إلا جبل صغير يسمى ايجليز ، ومنه قطع الحجر الذي بني منه قصر علي بن يوسف أمير المسلمين ، وليس بموضع مراكش حجر إلا ما كان من هذا الجبل ، وبناؤها بالطين والطوب والطوابي ، ثم استخرجوا مياهها ، فكثرت فيها البساتين والجنات ، واتصلت عمارات مراكش وحسن قطرها ، ثم بنى أسوارها علي بن يوسف بن تاشفين سنة أربع عشرة وخمسمائة ، وعلى ثلاثة أميال منها وادي تانسيفت ، ويصب فيه وادي وريكة ووادي نفيس وأودية كثيرة ، ومياه مراكش قريبة من قامتين من وجه الأرض وبساتينها تسقى بالآبار ينفذ بعضها إلى بعض حتى تخرج على وجه الأرض ، وبينها وبين درن نحو العشرين ميلاً ، وهي كثيرة الزرع والضرع وبحائرها لا تحصى كثرة ، وإنما بناها واضعها ليملك منها جبل درن لكثرة من يعمره . وكان إسلام قبائل الصحراء في سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ، ثم ملكها عبد المؤمن بن علي وانقرضت دولة بني تاشفين بعد أن كانت دار إمارة لمتونة وقاعدة مملكتهم ، وكان بها قصور كثيرة لجملة من الأمراء والقواد وخدام الدولة ، وكانت أزقتها واسعة وأرجاؤها فسيحة وأسواقها حفيلة وسلعها نافقة ، وكان بها جامع بناه يوسف بن تاشفين ، وهو صاحب الزلاقة ، فلما ملكها عبد المؤمن بن علي تركوا ذلك الجامع معطلاً مغلق الأبواب لا يرون الصلاة فيه ، وبنوا لأنفسهم مسجداً جامعاً يصلون فيه بعد أن نهبوا الأموال وسفكوا الدماء وباعوا الحرم ، وكان ذلك لمذهب لهم يرون ذلك فيه حلالاً . وكان علي بن يوسف قد جلب ماء من عين بينها وبين المدينة أميال فلم يستتم ذلك ، فلما تغلب عبد المؤمن على الملك وصار بيده تمموا جلب ذلك الماء إلى داخل المدينة وصنعوا منه سقايات بقرب دار الحجر ، وهي الحظيرة التي فيها القصر منفرداً متحيزاً بذاته ، والمدينة بخارج هذا القصر ، وطول المدينة أشف من ميل وعرضها قريب ذلك ، وعلى ثلاثة أميال من مراكش نهر تانسيفت ، وليس بالكبير لكنه دائم الجري ، ويحمل في زمن الشتاء بسيل كبير فلا يبقي ولا يذر . وكان أمير المسلمين علي بن يوسف بنى على هذا النهر قنطرة عجيبة متقنة البناء . وعظمت مراكش في الدولتين ، فكانت أكبر مدن المغرب الأقصى ، وعظمت تجارتها وتنافس الناس في البناء فيها ، وبنيت