كأنوف الجبال ، وقصبتها في شرقي مدينتها عليها سور صخر ، وهي في غاية الحصانة والمنعة ، وفي هذه القصبة مسجد بناه الفقيه المحدث معاوية بن صالح الحمصي ، وكان ممن حضر وقعة مروان بن محمد ليلة بوصير فأنجاه الفرار ولجأ إلى الأندلس فرقاً من المسودة ، ومات بها ، وله روايات وتقدم في السنة والعلم . وجامع مدينة مالقة بالمدينة ، وهو خمس بلاطات ، ولها خمسة أبواب : بابان منها إلى البحر ، وباب شرقي يعرف بباب القصبة ، وباب غربي يعرف بباب الوادي ، وباب جوفي يعرف بباب الخوخة . وبها مبان فخمة وحمامات حسنة وأسواق جامعة كثيرة في الربض والمدينة . وذكرها الأول في كتبهم فقالوا : مدينة مالق ، لا بأس عليها ولا فرق ، آمنة من جوع وسبي ودم ، مكتوب ذلك في العلم الذي يكتب ، وقد قيل : إن هذه الكلمات وجدت في بعض حجارتها نقشاً بالقلم الإغريقي . قالوا : وجميع هذه الآثار التي أمنها منها وبقاؤها عنها قد لحقت بها وجمعت لها في سنة تسع وخمسين وأربعمائة بمحاصرة عباد بن عباد لها ، واستطالة برابر قصبتها على أهلها ، فشملهم الضر وعمم الفقر ، ثم استحلت حرماتهم وسفكت مهجاتهم ، فما نجا في البحر إلا الشريد ولا تخلص إلا السعيد ، فخلت ديارهم وتغيرت آثارهم . وكذلك عندما نشأت الفتنة في آخر أيام الملثمين وصدراً من دولة الموحدين بقيام ابن حسون فيها ، وبعدما قتل فيها من قتل وغرب من غرب قتل نفسه عند قيام أهل البلد عليه ، فسبيت حرمه ومزقوا في البلاد كل ممزق : وآسفت حاله ، ولله الحكمة البالغة . ومن مالقة إلى أرشذونة ثمانية وعشرون ميلاً ، ومرسى مالقة صيفي يكن بالغربي وبإزائه مما يلي المدينة الجسر الذي ذكرناه ، ينكسر عليه الموج . ولما ولي القاضي المحدث الشهير أبو محمد عبد الله بن سليمان بن حوط الله الأنصاري قضاء مالقة وقدم عليها ، خرج طلبتها إلى لقائه فأنشدهم : مالقة حييت يا تينها * الفلك من أجلك يأتينها نهى طبيبي عنك في علتي * ما لطبيبي عن حياتي نها ماردين : مدينة من ديار ربيعة بعمل الموصل ، بينها وبين مدينة دارا نصف مرحلة ، وهي في سفح جبل في قنته قلعة لها كبيرة ، وهي من قلاع الدنيا الشهيرة . ماردة : مدينة بجوفي قرطبة منحرفة إلى المغرب قليلاً ، وكانت مدينة ينزلها الملوك الأوائل ، فكثرت بها آثارهم والمياه المستجلبة إليها ، واتصل ملكهم إلى أن ملك منهم سبعة وعشرون ملكاً ، ويقال أن ذا القرنين كان منهم وكان يقال لهذه الأمة الشبونقات ، ثم دخلت أمة القوط فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من صاحب رومة ، واتخذوا طليطلة دار ملكهم وأقروا فيها سرير ملكهم ، إلى أن دخل عليهم الإسلام ، وكان آخرهم لذريق ، وكان قد أحدق بماردة سوراً عرضه اثنا عشر شبراً وارتفاعه ثمان عشرة ذراعاً ، وكان على بابها مما يلي الغرب حنايات يكون طولها خمسين ذراعاً ، متقنة البنيان ، عددها ثلاثمائة وستون حنية ، وفي وسط قنطرتها برج محني يسلك تحته من سلك في القنطرة . وتفسير ماردة باللطيني : " مسكن الأشراف " وقيل بل كانت دار مملكة ماردة بنت هرسوس الملك ، وبها من البناء آثار ظاهرة تنطق عن ملك وقدرة ، وتعرب عن نخوة وعز ، وتفصح عن عظة وعبرة ، ولها في قصبتها قصور خربة ، وفيها دار يقال لها دار الطبيخ ، وهي في ظهر القصر ، وكان الماء يأتي في دار الطبيخ في ساقية هي الآن باقية الأثر ، فتوضع صحاف الذهب والفضة بأنواع الطعام في تلك الساقية على الماء حتى تخرج بين يدي الملكة ، فترفع على الموائد ، ثم إذا فرغ من أكل ما فيها وضعت في الساقية ، فتستدير إلى أن تصل إلى يد الطباخ بدار الطبيخ ، فيرفعها بعد غسلها ، ثم يمر