إسم الكتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار ( عدد الصفحات : 629)
حرف الميم مأرب : وقد تخفف وهو الأكثر ، مدينة باليمن على ثلاثة أيام من صنعاء ، وعلى ثلاثة مراحل من ظفار ، قيل هي سمة للملك ، وقيل هو مسكن سبأ ، وهو بسكون الهمزة ، قال الله تعالى " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال " وقال الشاعر : من سبأ الحاضرين مأرب إذ * يبنون من دون سيله العرما وكان السد من بناء سبأ بن يشجب ، وكان ساق إليها سبعين وادياً ومات قبل أن يستتمه ، فأتمته ملوك حمير بعده ، وقيل بناه لقمان بن عاد وجعله فرسخاً في فرسخ ، وجعل له ثلاثين شعباً . والسد بين جبلين وهما يسميان المأزمين وتمر منه بموضع كان يقسم عليه ماء هذا السد في الجاهلية في صحراء ورمال ، وهي التي تسمى جنة اليسرى ، قال الله تعالى " لقد كان لسبأ في مسكنهم " فيمر حتى ينتهي إلى مأرب وفيه معدن الملح الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم أبيض بن حمال المأربي فجعله أبيض صدقة للمساكين ، وعوضه النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً يعرف بالجدرات على باب مأرب ، فلا يخلو من ثمر صيفاً وشتاء وربيعاً وخريفاً لأن صلى الله عليه وسلم دعا له بالبركة . ومأرب مدينة سبأ ، وبها عرش بلقيس ، وكان العرش مبنياً على أساطين حجارة وكل أسطوانة منها فوق الأرض ثمان وعشرون ذراعاً ، فاحتمل العرش وبقيت الأساطين على حالها ، ويقال إن تحت الأرض من تلك الأساطين مثل ما فوقها ، وغلظ كل أسطوانة لا يحتضنه أربعة نفر ، وفيها سوق ومسجد والمنزل بها ، ثم يخرج منها ويقطع عرض الوادي فيدخل جنة اليمنى التي ذكرها الله تعالى ، وليس فيها من الأشجار إلا الأثل والأراك ، وتبذر فيها الذرة . وكانت مأرب في القديم مدينة كبيرة عامرة بالخلق مشهورة في بلاد العرب ، وبها صرواح قصر سليمان عليه السلام ، ولم يبق منه إلا طلل دارس ، وبها قصر بلقيس كما قلناه ، وبها كان السد المسمى بالعرم ، وكان أكثر أهل مأرب سبأ من قبل العرب الحميرية ، وكان لهم من الكبر والتيه والعجب على سائر الأمم ما هو مشهور ، وكانوا مع ذلك يكفرون بأنعم الله سبحانه ، وكان لهم بهذه المدينة سد عظيم البناء وثيق الصنعة قد أمنوا من خلله ، وكان الماء يرتدع خلفه نحواً من عشرين قامة ، فكان الماء محصوراً من جوانبه قد أمنوه وأوثقوا صناعته ، وكانت مساكنهم عليه ، ولكل قبيلة منهم شرب معلوم يسقون منه ويصرفونه في مزارعهم قسمة عدل ، وكان السد يعلو هذه المدينة كالجبل المنيف ، فلما أراد الله سبحانه انقطاع دولتهم وتشتيت جماعاتهم أرسل عليهم السيل ، فجاءهم وهم نائمون ، فدفع السد ومر بالمدينة وما جاورها من القرى والبهائم والأمم والنبات ، وقتل الكل بالكل وفرقهم شذر مذر ، وتفرقت العرب وتبلبلت الألسن ، وساروا في المشارق والمغارب ، وبقي بالمدينة آثار تراجع إليها أقوام من حضرموت فهم يعمرونها إلى الآن ،