يودعونه دنانات فيخرج بعد مدة له عسلية لا يقدر على تناولها إلا بعد زوال تلك العسلية ثم لا يحاكيه شيء من التمر في طيب مذاقه وتعلكه ، ومرساها لا يستر من ريح ، إنما ترسي القوارب بواديها ، وهو نهر صغير يدخله المد والجزر قالوا : وفي أهلها قلة ذمامة ، ولهم زي ونظافة وفي باديتها عتوّ وفساد وقطع سبيل . وقال أبو عبد الله الحنفي : قَلوصي إلى الترحال طال نزوعها * لها كل يوم أن تشد نسوعها إلى أن أحلتني لحيني بقابس * فصادفني ضنك الحجاز وجوعها أُعاين فيها كلّ أسودَ كالح * يلوح على الأسنان منه رجيعها بمجلس قاض يدَعي علم شرعة * ويعزب عنه أصلها وفروعها ولولا بنو الإفضال من آل مسلم * فإن لهم عندي يداً لا أضيعها سللتُ حسامَ الهجو فيهم فإن لي * به ضربات لا يفل صدوعها وبقابس قصر العروسين وهو من البناءات المشهورة ، وكان بناه بنو رشيد من العرب الذين وجههم العبيديون إلى إفريقية ، منهم مدافع بن رشيد بن مدافع بن جامع أناب إلى عبد المؤمن بن علي لما طلع إلى إفريقية وأسكنه قابس ، وكان هؤلاء العرب تأخروا عن طاعته ، وواليهم يومئذ مدافع بن رشيد الدهماني ، وهم من سليم فألطفهم ورفق بهم واستدعاهم بأشعار خاطبهم بها ، وتلوم عليهم فلم يصل منهم جواب ، فبعث إليهم بعسكر عليهم ابنه عبد الله ، وأقام هو يحاصر المهدية ، فلما انتهى ابنه إلى قابس جمع مدافع أهله وعشيرته ومن انحاش إليه وفر فتبعته شرذمة من العسكر فواقفهم ساعة ، ثم انهزم وقتل جماعة من أهله وعشيرته ، وملك الموحدون قابس وحكموا على أهله وطائفته ، وهرب مدافع وتوغل في الصحراء ، وتبعته الخيل واستولت على ما معه ، وجاء هو بنفسه إلى أن استجار بعرب طرابلس ، فأقام عندهم نحو العامين ، وكان شاعراً أديباً حافظاً للسِير والأخبار ، ثم رأى التوجه إلى المغرب ، فسار واجتمع بعبد المؤمن بمدينة فاس وأناب إليه ، فأسكنه قابس ، فأقام بها إلى أن توفي وقد ناهز التسعين . وكان لبني رشيد ذكر مع صنهاجة ومنهم أبو شاكر عامر بن محمد بن سكن بن جامع ، خرج يوم فرارهم من قابس وخلص إلى دمشق وأنشد له صاحب الخريدة يتذكر أيامهم ببلدهم : يا حار طرفي غيرُ هاجعْ * والدمعُ من عينيَّ هامعْ ولقد أرقت مسامراً * نجماً بدا في الشرق طالع متذكراً لصروف ده * رٍ أصبحت فينا قواطع إني من الشم الألى * شادوا العلا أبناء جامع أهل المراتب والكتا * ئب والمواهب والصنائع يتسابقون إلى المعا * لي كلهم فيها مسارع ولقد ملكنا قابساً * بالمشرفيات القواطع تسعين عاماً لم يكن * خلق لنا فيها منازع