قال هشام بن عروة : العقيق من قصر المراحل صاعداً إلى النقيع وما سفل عن ذلك فمن زعابة ، وقال غيره : العقيق من العرصة إلى النقيع ما بين محجة يين وتخوم الشام . وذكر أن تبعاً مرَّ بهذا الموضع لما قَدِم المدينة فقال : هذا عقيق الأرض ، فسمي العقيق . وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قال : ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العقيق ثم رجع فقال : " يا عائشة جئنا من هذا العقيق فما ألين موطئه وأعذب ماءه " ، قالت : يا رسول الله أفلا تنتقل إليه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " وكيف وقد ابتنى الناس " . وقال عبد اللّه بن مطيع : بات رجلان بالعقيق ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أين بتما " ؟ فقالا : بالعقيق ، فقال : " بتما بواد مبارك " . وروى عامر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام في العقيق ، فقام رجل من أصحابه يوقظه للصلاة ، فحال بينه وبينه رجُل من أصحابه ، فقال : لا توقظه فإن الصلاة لم تفته فتجاذبا حتى أصاب بعض أحدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظه ، فقال : " ما لكما لقد أيقظتماني وإني لأراني بالوادي المبارك " . وقال عمر رضي الله عنه : احصبوا هذا المسجد ، يعني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الوادي المبارك ، يعني وادي العقيق . ولمّا أقطع عمر رضي الله عنه العقيق فدنا من موضع قصر عروة قال : أين المستقطعون منذ اليوم ؟ فوالله ما مررت بقطيعة تشبه هذه القطيعة ، فقام إليه خوات بن جبير الأنصاري فقال : أقطعنيها يا أمير المؤمنين ، فأقطعه إياها ، وكان يقال لموضعها خيف حرة لؤلؤة . وقال ربيعة بن عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق كله ، فلما ولي عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعكه لتحجره فأقطعه الناس . العقبة : المراد العقبة التي واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها النفر الذين بايعوه من الأوس والخزرج من أواسط أيام التشريق . قال كعب بن مالك : بتنا تلك الليلة مع قومنا ورحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخْفيِن حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً ، ومعنا امرأتان من نسائنا ، فاجتمعنا في شعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه عمه : العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له ، فلما جلسوا كان أول متكلم العباس رضي الله عنه فقال : يا معشر الخزرج - وكانت العرب يسمون هذا الحيّ من الأنصار الخزرج ، خزرجها وأوسها - إن محمداً منّا حيث قد علمتم ، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فهو في عز من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم ؟ فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم له من ذلك ، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده ، قال ، فقلنا له : قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخُذْ لنفسك ولربِّك ما أحببت ، قال : فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ، ودعا إلى الله تعالى ، ورغّب في الإسلام ، ثم قال : " أنا معكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم " ، قال : فأخذ البراء بن معرور رضي الله عنه بيده ، ثم قال : نعم ، والذي بعثك بالحقِّ ، لنمنعنك مما نمنع أزرَنا ، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر ، فاعترض القولَ أبو الهيثم بن التيهان فقال : يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها ، يعني اليهود ، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله تعالى أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ قال : فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " بل الدم الدم والهدم الهدم ، أنا منكم وأنتم مني ، أحاربُ من حاربتم وأُسالم من سالمتم " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخرجوا إلي اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم " ، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً : تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس ، فقال لهم : " أنتم على قومكم بما فيهم