جزيرة كبيرة مشهورة الذكر ، وهي ثمانون فرسخاً في ثمانين فرسخاً . وبجزيرة سرنديب هيكل عظيم من ذهب يفرطون في مبلغ زنته وقيمة الجوهر الذي عليه ، وإليه يجتمع أهلها فيتدارسون سير آبائهم وقصص ملوكهم . وبهذه الجزيرة نزل آدم عليه السلام حين أهبط من الجنة ، نزل على جبل الرهون منها وهو جبل سامي الذروة عالي القمة ذاهب في الجو ، يراه البحريون من مراكبهم عن مسيرة أيام ، وهو الذي ذكر أن آدم عليه السلام أهبط عليه ، وعلى هذا الجبل يتلألأ نور يشبه البرق الدائري ، عليه دائماً وحوله أنواع الياقوت الأحمر والأصفر والأكحل ، والأحمر أشرفها وأنفسها لأنه إذا ألقي في النار ازداد حمرة وحسناً ، وإن كانت فيه نكتة شديدة الحمرة وجعلت في النار انبسطت في الحجر تلك الحمرة فحسنته ولونته ، ومبارد الحديد لا تؤثر في جميع ألوان الياقوت ، والأصفر أقل صبراً على النار من الأحمر ، وأما الأكحل فلا صبر له ، قالوا : ومن تقلد حجراً أو تختم به من هذه الأصناف الثلاثة من الياقوت وكان في بلد قد وقع فيه الطاعون منع أن يصيبه ما أصاب أهل ذلك البلد . ويذكر البراهمة ، وهم عباد الهند ، أن على هذا الجبل أثر قدم آدم عليه السلام مغموس في الحجر ، وطوله سبعون ذراعاً ، وأن على هذا الأثر نوراً يخطف شبيهاً بالبرق دائماً ، وأن القدم الثانية منه جاءت في البحر عند خطوته ، والبحر من الجبل على مسيرة يومين أو ثلاثة ، وفي وادي هذا الجبل الماس الذي يحاول به نقش الفصوص من أنواع الحجارة ، وعلى هذا الجبل أنواع من الطيب وضروب من صنوف العطر مثل العود والأفاويه ودابة المسك ودابة الزباد ، وبه الأرز والنارجيل وقصب السكر ، وفي أنهاره يوجد جيد البلور وكبيره . وبجميع سواحل هذه الجزيرة مغايص اللؤلؤ الجيد النفيس المثمن . وفي جزيرة سرنديب قواعد كثيرة ، وملك هذه الجزيرة يسكن أغنا ، وهي مدينة القصر ، وبها دار ملكه ، وهو ملك عادل كثير السياسة ناظر في أمور رعيته حافظ لهم ذاب عنهم ، وله ستة عشر وزيراً : أربعة من أهل ملته وأربعة نصارى وأربعة مسلمون وأربعة يهود ، وقد رتب لهم موضعاً تجتمع فيه أهل الملل وتكتب حججهم وأخبارهم ، ويجتمع إلى علماء كل ملة : الهندية والرومية والإسلامية واليهودية ، جمل من الناس وعدة طوائف ، فيكتبون عنهم سير أنبيائهم وقصص ملوكهم في سائر الأزمان ويعلمونهم ويفهمونهم ما لا يعلمونه ، وللملك في بده صنم من ذهب لا يدرى لما عليه من الدر والياقوت وأنواع الأحجار أثمان ، وليس يملك أحد من ملوك الهند ما يملكه صاحب سرنديب من الدر النفيس والياقوت الجليل وأنواع الأحجار لأن أكثر ذلك يوجد في جبال جزيرته وفي أوديتها وبحرها ، وإليها تقصد مراكب أهل الصين وسائر بلاد الملوك المجاورين له . وملك سرنديب تحمل إليه الخمر من العراق وفارس فيشتريها بماله وتباع له في بلاده ، وهو يشرب ويحرم الزنا ولا يراه ، وملوك الهند وأهلها يبيحون الزنا ويحرمون الشراب المسكر . ويجلب من سرنديب الحرير والياقوت بجميع ألوانه كلها والبلور والماس والسنباذج وأنواع من العطر كثيرة . ولأهل سرنديب نظر في زراعة النارجيل ، ويقومون بحفظه ويبيحونه للصادر والوارد ابتغاء الأجر وطلب المثوبة ، وأهل عمان وغيرها من بلاد اليمن ربما قصدوا إلى هذه الجزائر التي فيها النارجيل ، فيقطعون من خشب النارجيل ما أحبوه ويصنعون من ليفه حبالاً يحرزون به ذلك الخشب وينشئون منه مراكب ويصنعون منه صواريها ، ويفتلون من خوصه حبالاً ، ثم يسقون تلك المراكب بخشب النارجيل ويمضون بها إلى بلادهم ، فيبيعونه هناك ويتصرفون به . قالوا : ولما نزل آدم عليه السلام ، على جبل الرهون من هذه الجزيرة وعليه الورق الذي خصفه فيبس فذرته الرياح في بلاد الهند ، فيقال ، والله أعلم ، أن علة كون الطيب بأرض الهند من ذلك الورق ، وقيل غير ذلك ، ولذلك خصت أرض الهند بالعود والقرنفل والأفاويه والمسك وسائر الطيب ، وكذلك الجبل لمعت عليه اليواقيت . قالوا : ولما أهبط آدم عليه السلام من الجنة أخرج معه منها صرة من الحنطة وثلاثين قضيباً من شجر الجنة مودعة أصناف الثمار ،