responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار نویسنده : محمد بن عبد المنعم الحميري    جلد : 1  صفحه : 289


ورأت ملوك الطوائف بالأندلس ما عزم عليه من ذلك فمنهم من كتب إليه ومنهم من شافهه ، كلهم يحذره سوء عاقبة ذلك ، وقالوا له : الملك عقيم ، والسيفان لا يجتمعان في غمد ، فأجابهم ابن عباد بكلمته السائرة مثلاً : رعي الجمال خير من رعي الخنازير ، أي إن كونه مأكولاً لابن تاشفين أسيراً يرعى جماله في الصحراء خير من كونه ممزقاً لابن فرذلند أسيراً يرعى خنازيره في قشتالة ، وكان مشهوراً بوثاقة الاعتقاد ، وقال لعذاله ولوامه : يا قوم أنا من أمري على حالين : حالة يقين وحالة شك ، ولا بد لي من إحداهما ، أما حالة الشك فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى ابن فرذلند ففي الممكن أن يفي لي ويبقي علي ويمكن ألا يفعل ، فهذه حالة شك ، وأما حالة اليقين فهي إني إن استندت إلى ابن تاشفين فأنا أرضي الله ، وإن استندت إلى ابن فرذلند أسخطت الله فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يرضي الله وآتي ما يسخطه ؟ وحينئذ أقصر أصحابه عن لومه .
فلما عزم خاطب جاريه : المتوكل عمر بن محمد صاحب بطليوس وعبد الله بن حبوس بن ماكسين الصنهاجي صاحب غرناطة يأمرهما أن يبعث إليه كل واحد منهما قاضي حضرته ، ففعلا ، ثم استحضر قاضي الجماعة بقرطبة أبا بكر عبيد الله بن أدهم وكان أعقل أهل زمانه .
فلما اجتمع القضاة عنده بإشبيلية ، أضاف إليهم وزيره أبا بكر بن زيدون وعرفهم أربعتهم أنهم رسله إلى يوسف بن تاشفين ، وأسند إلى القضاة ما يليق بهم من وعظ يوسف وترغيبه في الجهاد ، وأسند إلى ابن زيدون ما لا بد منه في تلك السفارة من إبرام العقود السلطانية . وكان يوسف بن تاشفين لا يزال يفد عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين مجهشين بالبكاء ناشدين الله والإسلام مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته ، فيستمع إليهم ويصغي إلى قولهم وترق نفسه لهم ، فما عبرت رسل ابن عباد البحر إلا ورسل يوسف بالمرصاد ، وقد آذن صاحب سبتة بقصده الغزو وتشوفه إلى نصرة أهل الأندلس وسأله أن يخلي الجيوش تجوز في المجاز ، فتعذر عليه ، فشكا يوسف إلى الفقهاء فأفتوا أجمعين بما لا يسر صاحب سبتة .
ولما انتهت الرسل إلى ابن تاشفين أقبل عليهم وأكرم مثواهم وجددوا الفتوى في حق صاحب سبتة بما يسره ، واتصل ذلك بابن عباد فوجه من إشبيلية أسطولاً نحو صاحب سبتة ، فانتظمت في سلك يوسف ، ثم جرت بينه وبين الرسل مراوضات ثم انصرفت إلى مرسلها ، ثم عبر يوسف البحر عبوراً هيناً حتى أتى الجزيرة الخضراء ففتحوا له ، وخرج إليه أهلها بما عندهم من الأقوات والضيافات ، وجعلوا سماطاً أقاموا فيه سوقاً جلبوا إليها ما عندهم من سائر المرافق ، وأذنوا للغزاة في دخول البلد والتصرف فيها ، فامتلأت المساجد والرحبات بضعفاء المطوعين ، وتواصوا بهم خيراً .
فلما عبر يوسف وجميع الجيوش انزعج إلى إشبيلية على أحسن الهيئات جيشاً بعد جيش وأميراً بعد أمير وقبيلاً بعد قبيل ، وبعث المعتمد ابنه إلى لقاء يوسف ، وأمر عمال البلاد بجلب الأقوات والضيافات ، ورأى يوسف من ذلك ما سره ونشطه ، وتواردت الجيوش مع أمرائها على إشبيلية ، وخرج المعتمد إلى لقاء يوسف من إشبيلية في مائة فارس ووجوه أصحابه ، وأتى محلة يوسف فركض نحو القوم وركضوا نحوه ، فبرز إليه يوسف وحده والتقيا منفردين وتصافحا وتعانقا ، وأظهر كل واحد منهما المودة والخلوص ، فشكرا نعم الله وتواصيا بالصبر والرحمة وبشرا أنفسهما بما استقبلاه من غزو أهل الكفر ، وتضرعا إلى الله تعالى في أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه مقرباً إليه ، وافترقا فعاد يوسف لمحلته ، ورجع ابن عباد إلى جهته ، ولحق بابن عباد ما كان أعده من هدايا وتحف وألطاف أوسع بها محلة ابن تاشفين ، وباتوا تلك الليلة ، فلما صلوا الصبح ركب الجميع ، وأشار يوسف على ابن عباد بالتقدم إلى إشبيلية ففعل ، ورأى الناس من عزة سلطانه ما سرهم ، ولم يبق من ملوك الطوائف بالأندلس إلا من بادر وأعان وخرج وأخرج ، وكذلك فعل الصحراويون مع يوسف ، بكل صقع من أصقاعه رابطوا وصابروا .
ولما تحقق ابن فرذلند جواز يوسف استنفر جميع أهل بلاده وما يليها وما وراءها ، ورفع القسيسون والرهبان والأساقفة صلبانهم ونشروا أناجيلهم ، فاجتمع له من الجلالقة والافرنجة وما يليهم ما لا يحصى عدده ، وجعل يصغي إلى أنباء المسلمين متغيظاً على ابن عباد حانقاً ذلك عليه متوعداً له ، وجواسيس كل فريق تتردد بين الجميع ، وبعث ابن فرذلند إلى ابن عباد أن صاحبكم يوسف قد تعنى من بلاد بعيدة وخاض البحور ، وأنا أكفيه العناء فيما بقي ، ولا أكلفكم تعباً ، أنا أمضي إليه وألقاكم في بلادكم رفقاً بكم وتوفيراً عليكم ، وقال لأهل وده ووزرائه : إني رأيت إن أمكنتهم من الدخول إلى بلادي فناجزوني بين جدرها ربما كانت الدائرة علي فيكتسحون البلاد ويحصدون من فيها في غداة واحدة ، لكن أجعل يومهم معي في حوز بلادهم ، فان كانت علي اكتفوا بما نالوه ولم يجعلوا الدروب وراءهم إلا بعد أهبة أخرى ، فيكون في ذلك صون لبلادي وجبر لمكاسري ، وإن كانت الدائرة عليهم كان مني فيهم وفي بلادهم ما خفت أنا أن يكون منهم في وفي بلادي إذا ناجزوني في وسطها . ثم برز بالمختار من أنجاد جموعه على باب دربه وترك بقية جموعه خلفه ، وقال حين نظر إلى ما اختاره من جموعه : بهؤلاء أقاتل الجن والإنس وملائكة السماء ، فالمقلل يقول : كان هؤلاء المختارون من أجناده أربعين ألف دارع ، ولا بد لمن هذه صفته أن يتبعه واحد واثنان ، وأما النصارى فيعجبون ممن يزعم ذلك ويقوله ، واتفق الكل أن عدة المسلمين كانت أقل من عدة المشركين .
ورأى ابن فرذلند في نومه كأنه راكب على فيل فضرب نقيرة طبل فهالته رؤياه وسأل عنها القسوس والرهبان فلم يجبه أحد ، ودس يهودياً عن من يعلم تأويلها من المسلمين فدل على عابر فقصها عليه ونسبها إلى نفسه ، فقال له العابر : كذبت ، ما هذه الرؤيا لك ، ولا بد أن تخبرني عن صاحبها وإلا لم أعبرها لك ، فقال : اكتم ذلك ، هو الفنش بن فرذلند ، فقال العابر : قد علمت أنها رؤياه ، ولا ينبغي أن تكون لغيره وهي تدل على بلاء عظيم ومصيبة فادحة تؤذن بصلبه عما قريب ، أما الفيل فقد قال الله تعالى : " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " وأما ضرب النقيرة فقد قال الله تعالى : " فإذا نقر في الناقور " ، الآية ( المدثر : 8 ) فانصرف اليهودي إلى ابن

289

نام کتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار نویسنده : محمد بن عبد المنعم الحميري    جلد : 1  صفحه : 289
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست