نام کتاب : الإسلام يتحدى نویسنده : وحيد الدين خان جلد : 1 صفحه : 14
ولست أنكر ان محاولات جادة قام بها بعض العلماء القلقين على مصير الانسان ، في الشرق والغرب ، من أجل البرهنة على وجود الله على أساس علمي ، ولكن قضية الدين ليست هي قضية ( وجود الله ) فحسب . لا مراء في أن الايمان بوجود الله سبحانه أساس ومنبع ، ولكنه يستتبع الايمان بقيم أخرى ومبادىء ، دعا إليها الرسل . وحثت عليها الأديان ، وأهمها ضرورة الايمان بوجود كائنات غير الانسان ، دل عليها الدين وسماها ( الملائكة ) الملهمين الخير ، وكائنات أخرى غير الانسان والملائكة دل عليها الدين ، وسماها الجن ، ومنهم ( الشياطين ) النازغون بالشر ، وضرورة الايمان بالغيب ، وباليوم الآخر . وما يتصل به من جنة ونار ، وحساب ، وثواب وعقاب ، بل ما يسبق ذلك من قيامة ، هي في حقيقتها دمار للدنيا ، وتحطم للكواكب والنجوم ، وضرورة التزام شريعة الله ، التي جاء بها الرسل ، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ، متى صح الايمان بوجود الله ، مالك الملك ، ومنزل التشريع بالحلال والحرام ، وفي كلمة واحدة : ضرورة اقرار ما علم من الدين بالضرورة . وهكذا نجدنا امام كل مترابط لا يمكن انفصام اجزائه الا على طريقة بني إسرائيل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض . ولقد وجد في المجتمع الاسلامي فعلا هذا الصنف من الناس ، الذين يحدثونك بأنهم مؤمنون بالله ، وكفى ، ولا داعي لمطالبتهم بأكثر من هذا ! ! وهم يواجهون من يدعوهم إلى الالتزام بأوامر الله ونواهيه : بان الهدف من هذه هو تزكية النفس ، وعدم إيذاء العباد ، فإذا تحقق هذا الهدف بوسيلة أخرى كالثقافة مثلا كان في ذلك غنى عن الالتزام بالتكاليف ، لان هذه هي روح الدين ! ! . . وغاب عنهم ، أو تجاهلوا ، ان العبادة في حقيقتها ثمرة الايمان بالله ، وتأكيد لعبودية الانسان له ، وان الله سبحانه قد اختار لعباده ان يخاطبوه ويقدسوه بكيفية معينة ، لا خيار لهم فيها ، بصرف النظر عن تحقيق مصلحة معينة لهم من العبادة أو عدم تحققها : ( وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون ) [1] فمصلحة الانسان العليا في أن يرضى خالقه بإنفاذ امره ، والتزام طاعته . فهذا صنف من الناس يجتزىء من الدين بما لا يقتضيه تكلفة : أن يقول : آمنت بالله فحسب ، وهو يستعمل مسالة تسليمه بوجود الله جل وعلا ذريعة إلى التحلل والانعتاق من سائر قضايا الدين ، والصدود عنها ، وهو امر ينبغي ان يلحظ على أنه من صميم أزمة الدين في أنفس المثقفين المعاصرين ، لان الثقافات الإلحادية قد اتخذت لنفسها خطة لئيمة ، فحواها ان دعوة المسلم إلى الكفر تلقي نفورا في المجتمع الاسلامي ، ويكاد يكون من المحال احراز تقدم فيه باعتناق هذه الدعوة ، ولذا ينبغي ان تكون الخطة أولا تجريد شخص المسلم من الالتزام بالتكاليف ، وتحطيم قيم الدين الأساسية في نفسه ، بدعوى العلمية والتقدم ،