نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 678
ففتق الله رتقه بسبع سماوات ثم إنه تطايرت الشرر من كرة الأثير في ذلك الدخان فقبلت من السماوات ومن الفلك المكوكب أما كن فيها رطوبات طبيعية فتعلقت بها تلك الشرر فانقدت تلك الأماكن لما فيها من الرطوبات فحدثت الكواكب فأضاء الجو كما يضئ البيت بالسراج ألا ترى القادح للزناد يعلق الشرر الحراق بما فيه من الرطوبة فيتقد فيكون منه المصباح ولهذا قال تعالى وجعلنا الشمس سراجا يضئ به العالم وتبصر به الأشياء التي كان يسترها الظلام فحدث الليل والنهار بحدوث كوكب الشمس والأرض فالليل ظلمة الأرض الحجابية عن انبساط نور الشمس والكواكب عندنا كلها مستنيرة لا تستمد من الشمس كما يراه بعضهم والقمر على أصله لا نور له البتة قد محا الله نوره وذلك النور الذي ينسب إليه هو ما يتعلق به البصر من الشمس في مرآة القمر على حسب مواجهة الأبصار منه فالقمر مجلي الشمس وليس فيه من نور الشمس لا قليل ولا كثير ثم إن الله رتب في كل فلك وسماء عالما من جنس طبيعة ذلك الفلك سماهم ملائكة على مقامات فطرهم الله عليها من التسبيح والتهليل وكل ثناء على الله تعالى وجعل منهم ملائكة مسخرين لمصالح ما يخلقه في عالم العناصر من المولدات وهي ثلاثة عوالم طبيعية ويسرى في كل عالم مولد من هذه الثلاثة من النفس الكلية صاحبة الآلات أرواح هي نفوس هذه المولدات بها تعلم خالقها ومنشئها وبها سرت الحياة فيها كلها وبها خاطبها الحق وكلفها وهو رسول الحق إليها وداع كل شخص منه إلى ربه فما بطنت حياته سمي جمادا ونباتا وانفصل هذان المولدان وتميزا بالنمو والغذاء فقيل في النامي منه نبات وفي غير النامي جماد وما ظهرت حياته وحسه سمي حيوانا والكل قد عمته الحياة فنطق بالثناء على خالقه من حيث لا نسمع وعلمهم الله الأمور بالفطرة من حيث لا نعلم فلم يبق رطب ولا يابس ولا حار ولا بارد ولا جماد ولا نبات ولا حيوان إلا وهو مسبح لله تعالى بلسان خاص بذلك الجنس وخلق الجان من لهب النار والإنسان مما قيل لنا ونفخ الأرواح في الكل وقدر الأقوات التي هي الأغذية لهذه المولدات من الإنس والجن والحيوان البحري والبري والهوائي وأوحى في كل سماء أمرها بما أودع الله في حركات هذه الكواكب واقتراناتها وهبوطها وصعودها في بيوت نحوسها وسعودها وعن حركاتها وحركات ما فوقها من الأفلاك حدثت المولدات وعن حركات الأفلاك الأربعة حدثت الأركان وهذا خلاف ما ذهب إليه غير أهل الكشف من المتكلمين في هذا الشأن فأودع الله في خزائن هذه الكواكب التي في الأفلاك علوم ما يكون من الآثار في العالم العنصري من التقليب والتغيير فهي أسرار إلهية قد جعل الله لها أهلا يعرفون ذلك ولكن لا على العلم بل على التقريب والأمر في نفسه صحيح غير إن الناظر من أهل هذا الشأن قد لا يستوفي النظر حقه لأمر فإنه من غفلة أو غلط في عدد ومقدار لم يشعر بذلك فيحكم فيخطئ فوقع الخطاء من نظره لا من نفس الأمر وقد يوافق النظر العلم فيقع ما يقوله ولكن ما هو على بصيرة فيه من حيث تعيين مسألة بعينها وهذا العلم لا تفي الأعمار بإدراكه فيعلم أصله من النبوات فكان أول من شرع في تعليم الناس هذا العلم إدريس عليه السلام عن الله فأعلمه ما أوحى في كل سماء وما جعل في حركة كل كوكب وبين له اقترانات الكواكب ومقادير الاقترانات وما يحدث عنها من الأمور المختلفة بحسب الأقاليم وأمزجة القوابل ومساقط نطفه في أشخاص الحيوان فيكون القرآن واحدا ويكون أثره في العالم العنصري مختلفا بحسب الإقليم وما يعطيه طبيعته فشروطه كثيرة يعلمها أهل ذلك الشأن فلما أعطتهم الأنبياء الموازين وعلمتهم المقادير علموا ما يحدث الله من الأمور والشؤون في الزمان البعيد وعن الزمان البعيد الذي لو وكلهم الله فيه إلى نفوسهم بالحكم المعتاد حتى يتكرر ذلك عليهم تكرار يوجب القطع عادة ورب أمر لا يظهر تكراره الذي يوجب القطع الظني به إلا بعد آلاف من السنين فهذا كان سبب التعريف الإلهي على السنة الأنبياء عليهم السلام فأعلمت الناس بما أوحى الله إليها ما أمن الله عليها هذه الكواكب المسخرة من الحوادث ولو عرف الجهال المنكرون هذا العلم قوله تعالى والنجوم مسخرات بأمره لما قالوا شيئا مما قالوه فما علموا تسخيرها وإنها كما قال تعالى ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضا سخريا كما سخر الرياح والبحار والفلك هكذا سخر الكواكب وهل في هذه المسخرات من الكواكب والأفلاك والرياح والبحار والدواب وكل مسخر عالم بما هو له مسخر أم لا هذا لا يعرفه
678
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 678