نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 617
محمودة وهي التي تسمى مكارم الأخلاق ومذمومة وهي التي تسمى سفساف الأخلاق والذين تصرف معهم مكارم الأخلاق وسفسافها اثنان وواحد فالواحد هو الله والاثنان نفسك إذا جعلتها منك بمنزلة الأجنبي وغيرك وهو كل ما سوى الله وكل ما سوى الله على قسمين وأنت داخل فيهم عنصري وغير عنصري فالعنصري تصريف الخلق معه حسي وغير العنصري تصريف الخلق معه معنوي فالأعمال المعبر عنها بالأخلاق على قسمين صالح وهو مكارمها وغير صالح وهو سفسافها قال تعالى في القسم الواحد وعمل صالحا وقال في الآخر عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين فعلمه الأدب وإن من الأدب أن تسأل عن علم ما لا يعلم فإذا علم فإن كان من أهل الشفاعة والسؤال فيه سأل فيه وإن لم يكن لم يسأل فيه ولكن غلبت عليه رحمة الأبوة وهي شفقة طبيعية عنصرية فصرفها في غير موطنها فأعلمه الله أن ذلك من صفات الجاهلين والجهل لا يكون معه خير كما إن العلم لا يكون معه شر فقول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت لأتمم مكارم الأخلاق يريد أنه يعلم ما هي وكيف تصرف وأين تصرف فلتعلم إن المخاطبين بها كما ذكرنا لك حر وعبد فللعبد منها شرب وللحر منها شرب فإذا أضفت الخلق إلى الله تعالى فكل ما سوى الله عبد لله قال تعالى إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا وإذا أضفت الخلق بعضه إلى بعض فهو بين حر وعبد فأما حظ العبد من الأخلاق فاعلم إن السيد على الإطلاق قد أوجب وحرم فأمر ونهى وقد أباح فخير وقد رجح فندب وكره وما ثم قسم سادس فكل عمل يتعلق به الوجوب من أمر من السيد الذي هو الله بعمل أو ندب إلى عمل فإن العمل به من مكارم الأخلاق مع الله ومع نفسك إن كان واجبا وإن كان مندوبا إليه فهو من مكارم الأخلاق مع نفسك فإن تضمن منفعة الغير ذلك العمل كان أيضا من مكارم الأخلاق مع غيرك وترك هذا العمل إذا كان على هذا الحكم من سفساف الأخلاق وكل عمل يتعلق به التحريم أو الكراهة فالتقسيم فيه كالتقسيم في الواجب والمندوب إليه على ذلك الحد فترك ذلك العمل لاتصافه بالتحريم أو الكراهة من مكارم الأخلاق وعمله من سفساف الأخلاق وترك العمل فيه عمل روحاني لا جسماني لأنه ترك لا وجود له في العين وأما العمل الذي تعلق به التخيير وهو المباح فعمله من مكارم الأخلاق مع نفسك دنيا لا آخرة فإن اقترن مع العمل كونك عملته لكونه مباحا مشروعا كان من مكارم الأخلاق مع الله ومع نفسك دنيا وآخرة وكذلك حكمه في ترك المباح على هذا التقسيم سواء فجميع الأقسام تتعلق بالعبد وقسم المباح يتعلق بالحر وقسم المكروه والمندوب إليه يتعلق بالحر وفيه من روائح العبودية شمة لا حقيقة فهذا قد حصر لك هذا المنزل منازل الشقاء والسعادة وأبانها لك معينة أي عينت لك من أين تعلمها وهو معرفة الشرع الذي أنت عليه فإن كان الإنسان ممن لم تبلغه الدعوة فمكارم الأخلاق في حقه ما قررها العقل من وجود الغرض والكمال وملائمة المزاج كشكر المنعم الذي هو من مكارم الأخلاق عقلا وشرعا وكفر النعمة من سفساف الأخلاق عقلا وشرعا وما كلف الله نفسا إلا وسعها سواء بلغتها الدعوة أو لم تبلغها فإن للشرع في عملها حكما في نفس الأمر ويعفى عنه فيما أتته من سفساف الأخلاق حيث لم تبلغها الدعوة والعفو عن ذلك من مكارم الأخلاق الإلهية فالحق أولى بصفات الكرم من العبد بل هي له حقيقة وفي العبد بعناية التوفيق ومما يتعلق بهذا المنزل من المكارم التعاون على شكر المنعم والتعاون على تلقي البلاء من المبلى بأن لا يستند في ارتفاع البلاء عنه إلا لمن أنزله به وهو الله تعالى فإن أنزله بالغير فهو من سفساف الأخلاق وإن أنزله بالله كان من مكارم الأخلاق والعبد في الحالتين طالب رفع البلاء عنه والبلاء عبارة عن وجوده وإحساسه بالألم لا غير وفي هذا المقام يغلط كثير من أهل الطريق فيحبسون نفوسهم عن الشكوى إلى الله فيما نزل بهم والشبهة في ذلك لهم أنهم يقولون لا نعترض عليه فيما يجريه علينا فإنه يؤثر في حال الرضاء عنه فيقال لهم قد حصل مقام الرضاء بمجرد إحساسه وعدم طلب رفعه وذلك حد الرضاء لا استصحابه فإن النفس كارهة لوجود الألم ولذا عبرنا عن البلاء بالألم لا بسببه وينبغي للعبد أن يسأل الله تعالى أن يرفع عنه ما نزل به لما يؤدي به إليه من كراهة فعل الله به ولا بد من كراهته طبعا لأن الألم يوجب حكمه لنفسه والفعل في إنزاله إنما هو لله فيتضمن كراهة الألم كراهته طبعا لأن الألم يوجب حكمه وجوده ووجود الألم لم يكن لنفسه وإنما أوجده الله في هذا العبد فتتعلق الكراهة حالا وضمنا بالجناب العزيز فلهذا وقع من الأكابر رب
617
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 617