نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 600
المشروعة من كونها مشروعة لا من كونها موجودة فليس لهم فيها نصيب فإنهم قد يكون منهم من فيه مكارم الأخلاق ولكن لم يعمل بها من كونها مشروعة فإذا تقرر ما ذكرناه فاعلم أن الطائفة التي لم يحصل لها الايمان بعلم الجزاء يحرمون من العلوم الموهوبة قبول كل علم لا يقوم لهم فيه من نفوسهم ميزان من عمل عملوه فإذا جاءهم الفتح في خلواتهم وسطعت عليهم الأنوار الإلهية بالعلوم المقدسة عن الشوب القادح ينظرون ما كانوا عليه من الأعمال وما كانوا عليه من الاستعداد التعملي فيأخذون من تلك العلوم قدر ما أعطتهم موازينهم ويقولون هذا من عند الله وما لم يدخل لهم في موازينهم من هذه العلوم دفعوا بها وهذا من أعجب الأمور الإلهية في حق هذه الطائفة أنها غير قائلة بعلم الجزاء ولا تأخذ من العلوم إلا ما أعطتها موازينهم من الأعمال والاستعدادات التعملية وهذا نقيض ما بنى عليه الأمر عند أهل الطريق وهذا كشف خاص خص به أمثالنا لله الحمد على ذلك وأما نحن ومن جرى مجرانا من أهل الطريق فلا نرمي بشئ مما يرد علينا من ذلك ولا ندفع به جملة واحدة سواء اقتضاه عملنا واستعدادنا التعملي أو لم يقتضه فإن الاقتضاء غير لازم عندنا في كل شئ بل أوجد الله ما يريد في أي محل يريد ولو نور الله بصائر هذه الطائفة التي ذكرناها لرأت واتعظت بحالها فإنها لا تصدق بالجزاء ولا تقبل من العلوم إلا ما أعطاه ميزان الجزاء من نفوسهم وهم لا يشعرون وهو موضع حيرة كما إنا لا نرمي أيضا بشئ مما أعطانا الله على يد واسطة مذمومة كانت تلك الواسطة أو محمودة كما فعل سليمان عليه السلام أو بارتفاع الوسائط سواء كان ذلك منهيا عنه أو مأمورا به فإن الله قد أعطانا من القوة وعلم السياسة بحيث نعلم كيف نأخذ وإذا أخذنا كيف نتصرف به وفيه وفي أي محل نتصرف به وهذا مخصوص بأهل السماع من الحق دائما وهو طريقنا وعليه عمل أكابرنا ويحتاج إلى علم وافر وعقل حاضر ومشاهدة دائمة وعين لا تقبل النوم ولا تعرفه وتتحقق بذلك تحقيقا يسرى معها حسا وفي حال نومها خيالا وفي حال فنائها وغيبتها تحققا وهو مقام عزيز مخصوص بالإفراد منا وعلم الأنبياء أكثره من هذه العلوم التي ليس لها مستند ولهذا كانت النبوة اختصاصا من الله لا يعمل ولا بتعمل ونحن ورثنا هذا المقام من عين المنة فحصلنا من العلوم التي لا مستند لها يطلبها ما عدا النبوة كثيرا تعرفها أسرارنا دون نفوسنا فلذلك لا يظهر علينا منها شئ فإنه لا تعلق لها بالكون قال تعالى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى فاختلف أصحابنا في هذه الأحوال الثلاثة وما يشبهها هل هي استعدادات لما حصل من الإيواء والهدى والغني أم ليست استعدادا ومنا من قال لا يكون استعداد إلا عن تعمل فيه وهم الأكثرون ومنهم من قال الاستعداد من أهل لتحصيل أمر ما سواء كان عن تعمل أو غير تعمل فالخلاف لفظي وهو الخلاف الذي ينسب إلى أهل هذه الطريقة وقد يكون الاستعداد معلوما للشخص الذي هو صاحبه إنه استعداد وقد لا يكون والتحقيق في ذلك ما نذكره وذلك أن حقيقة الاستعداد ما هو الطلب أن يكون معد الأمر ما عظيم من الله يحصل له فهذا يسمى تعملا لأنه استفعال مثل استخراج واستطلاق واسترسال وأما كونه معدا لما حصل له فلا بد أن يكون في نفسه على ذلك لا بجعل جاعل وأخفاه العدم الممكن والعدم المحال فلو لا إن العدم الممكن هو معد في نفسه لقبول أثر المرجح ما كان له الترجيح إلى أحد الجانبين في وقت وترجيح الجانب الآخر في وقت آخر والعدم المحال لولا ما هو في نفسه معد لعدم قبول ما يضاد ما هو عليه في نفسه لقبله وكذلك من ثبت له الوجوب الوجودي لذاته فهذا تحقيق المسألة في الاستعداد والفرق بينه وبين الإعداد والإعداد لا بد منه وجودي وعدمي ولا وجودي ولا عدمي كالنسب فهذا الفصل من هذا المنزل قد استوفيناه وبقي من فصوله ما نذكره وذلك معرفة العلم الذي يطلبه الفقير بافتقاره ومسكنته ما هو وإذا حصل هل يقع له به الغني أم لا وهل إلى ذلك طريقة معلومة لقوم أم لا وهل العالمون بها يتعين عليهم إن يحرضوا الناس على سلوكها أم لا فاعلم إن الافتقار في كل ما سوى الله أمر ذاتي لا يمكن الانفكاك عنه ذوقا وعلما صحيحا إلا أنه تختلف مقاصده في تعيين ما يفتقر إليه هذا الفقير وما هو المعنى الذي يفتقر إليه فيه فاعلم إن الفقر والمسكنة لما ثبت في العلم أنها صفة ذاتية كان متعلقها الذي افتقرت فيه طلبها استمرار كونها واستمرار النعيم لها على أكمل الوجوه بحيث إنه لا يتخلله النقيض فأهل هذه الطريقة لم يروا ذلك حالا وعقدا إلا من الله تعالى فافتقروا إليه في ذلك دون غيره سبحانه
600
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 600