نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 597
وما يعرف الناظر مقصد المتكلم بها منها واعلم أن هذه العلوم إذا أعطاها الله العبد في غير صورها وأعلمه ما أراد بها فوقف على عينها من تلك الصورة في تلك الصورة فهو المشبه بالحوض لأنه يدرك الماء ويدرك الكدر الذي في قعر الحوض ويلبس الماء ولا بد في ناظر العين لون ذلك الكدر حمرة كان أو صفرة أو ما كان من الألوان فتبصر الماء أحمر أو أصفر وغير ذلك من الألوان ولهذا قال الجنيد وقد سئل عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه ولما قبل الماء هذا اللون صار في العين مركبا من متلون ولون وهو في نفس الأمر شئ آخر فيعلم الماء ويعلم أن ذلك لون الوعاء كذلك التجليات في المظاهر الإلهية حيث كانت فأما العارف فيدركها دائما والتجلي له دائم والفرقان عنده دائم فيعرف من تجلى ولما ذا تجلى ويختص الحق دون العالم بكيف تجلى لا يعلمه غير الله لا ملك ولا نبي فإن ذلك من خصائص الحق لأن الذات مجهولة في الأصل فعلم كيفية تجليها في المظاهر غير حاصل ولا مدرك لأحد من خلق الله هذا هو العلم الذي لا ينتج غيره فهو منقطع النسل لا عقب له وما عدا هذا من العلوم فقد يكون العلم بالنظر فيه ينتج علما آخر ولا يكون إلا هكذا وهو الأكثر بل هو الذي بأيدي الناس فإن المقدمات إن لم يحصل لك العلم بها وبما ينتج منها مما لا ينتج وبالسبب الرابط بينهما فبعد حصول هذا العلم ينتج لك العلم بما أعطاه هذا التركيب الخاص وهو التناسل الذي يكون في العلوم بمنزلة التناسل الذي يكون في النبات والحيوان وهذا هو تناسل المعاني ولهذا قبلت المعاني الصور الجسدية لأن الأجسام محل التوالد فإن قلت فالذي يكون من العلوم لا ينتج فكان ينبغي أن لا يقبل الصورة قلنا إنما قبل الصورة من كونه نتيجة عن منتج ونتاج وهو في نفسه عقيم لا ينتج أصلا كالعقيم الذي يكون في الحيوان مع كونه متولدا من غيره ولكن لا يولد له لأنه على صفة قامت به تقتضي له ذلك ولذلك جاء الحق في تنزيه نفسه عن الأمرين فقال لم يلد ولم يولد وهذا تنزيه الذات فلا تتعلق ولا يتعلق بها والنتاج إنما وقع وظهر في المرتبة فطلب الرب المربوب والقادر المقدور فإن قلت فإذا كان الأمر على ما ذكرت في لم يلد ولم يولد فكانت المظاهر تبطل وهي موجودة فما جوابك قلنا المظاهر للمرتبة لا للذات فلا يعبد إلا من كونه إلها ولا يتخلق بأسمائه وهي عين العبادة له إلا من كونه إلها ولا يفهم من مظاهره في مظاهره إلا كونه إلها فاعلم ذلك ولو كانت المظاهر تظهرها الذات من كونها ذاتا علمت ولو علمت أحيط بها ولو أحيط بها حدت ولو حدت انحصرت ولو انحصرت ملكت وذات الحق تتعالى علوا كبيرا عن هذا كله فعلمنا أنه ليس بين الذات وبين هذه المظاهر نسبة يتعلق العلم بها من حيث نسبة المظهر إليها أصلا وإذا لم يحصل مثل هذا العلم في نفوس العلماء بالله وتعالى عن ذلك فأبعد وأبعد أن تعلم نسبة الذات إلى المظاهر فإن قلت إن النسبة واحدة ولكن لها طرفان من حيث الذات طرف ومن حيث المظهر طرف قلنا ليس الأمر كما تظن في إن النسبة واحدة بين المتضايفين فإن نسبة الولد إلى الوالد نسبة بنوة والبنوة انفعال ونسبة الوالد إلى الولد نسبة أبوة والأبوة فاعلية وأين أن يفعل من أن ينفعل هيهات فليست النسبة واحدة ولا لها طرفان أصلا فإنها غير معقولة الانقسام أعني هذه النسبة الخاصة وهو الطرف الذي جعلته أنت للنسبة بخيالك فذلك الطرف هو النسبة التي تذكر إذ الطرفان للشئ الموصوف بهما يؤذنان بقسمته والمعنى لا ينقسم فإنه غير مركب والذي ينتجه هذا العلم المشبه بالحياض مناجاة الحق من جهة الصدر وهو مناجاتك إياه في صدورك عنه حين أمرك بالخروج إلى عباده بالتبليغ إن كنت رسولا وبالتثبيت إن كنت وارثا وهذه المناجاة لا تكون منه إليك إلا فيك لا في غيرك فمنك تعرفه لا من غيرك لأنك الحجاب الأقرب والستر المسدل عليه ومن كونك سترا وحجابا حددته فمعرفتك به في هذا الموطن عين عجزك عن معرفته وإن شئت قلت عين الجهل به ونريد بالجهل عدم العلم وأما الغير فحجاب أبعد بالنظر إليك فإن الله ما وصف نفسه إلا بالقرب إليك وهكذا قربه من غيرك إلى ذلك الغير كقربه إليك فوصفه بالقرب إليك أبعد بالنظر إلى غيرك إذا أراد العلم به منك كما أنت إذا أردت العلم به من غيرك قال تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فأثبت قربه إلى الأشياء ونفى العلم بكيفية قربه من الأشياء بقوله تعالى ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فعم البصيرة والبصر إذ كان إدراك البصر في الباطن يسمى بصيرة والذات واحدة واختلف عليها المواطن فسمى في إدراك المحسوس بصرا وفي إدراك المعاني بصيرة فالمدرك واحد العين فيهما ولما كان على الحوض الذي يكون في
597
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 597