نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 595
المرقوم وما أودع فيه من المعاني من غير فكر فيه إذ كان الفكر في نفسه غير معصوم من الغلط في حق كل أحد ولهذا قال والراسخون في العلم يقولون ربنا لا تزع قلوبنا يعني بالفكر فيما أنزلته بعد إذ هديتنا إلى الأخذ منك علم ما أنزلته إلينا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب فسأله من جهة الوهب لا من جهة الكسب ولهذا جعلنا الضمير يعود على الذين أكلوا من فوقهم يقول ومن تحت أرجل هؤلاء أمم منهم أمة مقتصدة وهم أهل الكسب وهم الذين يتأولون كتاب الله ولا يقيمونه بالعمل الذي نزل إليه ولا يتأدبون في أخذه وهم على قسمين القليل منهم المقتصد في ذلك وهو الذي قارب الحق وقد يصيب الحق فيما تأوله بحكم الموافقة لا بحكم القطع فإنه ما يعلم مراد الله فيما أنزله على التعيين إلا بطريق الوهب وهو الإخبار الإلهي الذي يخاطب به الحق قلب العبد في سره بينه وبينه ومن لم يقتصد في ذلك وتعمق في التأويل بحيث إنه لم يترك مناسبة بين اللفظ المنزل والمعنى أو قرر اللفظ على طريق التشبيه ولم يرد علم ذلك إلى الله فيه وهم الذين قال الله فيهم في الآية عينها وكثير منهم ساء ما يعملون وأي سوء أعظم من هذا وهؤلاء هم القسم الثاني ولما شاهد الرسول هذا الأمر وقد بعث رحمة بما نزل به ورأى الكثير لم تصبه هذه الرحمة وأن علة ذلك إنما كان تأويلهم بالوجهين من التشبيه أو البعد عن مدلول اللفظ بالكلية تحير في التبليغ وتوقف حتى يرى هل يوجب ذلك عليه ربه أم لا فأنزل الله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وقيل له ما عليك إلا البلاغ وقيل له ليس عليك هداهم فيما يجري منهم من خير وشر وقيل له إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء فعلم الرسول أن المراد منه التبليغ لا غير فبلغ صلى الله عليه وسلم وما أخفى مما أمر بتبليغه شيئا أصلا فإنه معصوم محفوظ قطعا في التبليغ عن ربه ما أمر بتبليغه وما خص به فهو فيه على ما يقتضيه نظره فالتقدير في الآية على التفسير ومن تحت أرجلهم أمم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ولهذا قال لنبيه وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله وقال ما يعلمهم إلا قليل فأشرف العلوم ما ناله العبد من طريق الوهب وإن كان الوهب يستدعيه استعداد الموهوب إليه بما اتصف به من الأعمال الزكية المشروعة ولكنه لما لم يكن ذلك شرطا في حصول هذا العلم لذلك تعالى هذا العلم عن الكسب فإن بعض الأنبياء تحصل لهم النبوة من غير أن يكونوا على عمل مشروع يستعدون به إلى قبولها وبعضهم قد يكون على عمل مشروع فيكون ذلك عين الاستعداد فربما يتخيل من لا معرفة له أن ذلك الاستعداد لولاه ما حصلت النبوة فيتخيل أنها اكتساب والنبوة في نفسها اختصاص إلهي يعطيه لمن شاء من عباده وما عنده خبر بشرع ولا غيره ولا يعرف من هو ولا بما هو الأمر عليه فلو كان الاستعداد ينتج هذا العلم لوجد ذلك في الأنبياء ولم يقع الأمر كذلك فإن النبوة غير مكتسبة بلا خلاف بين أهل الكشف من أهل الله وإن كان اختلف في ذلك أهل الفكر من العقلاء فذلك من أقوى الدلالات عندنا على إن الفكر يصيب العاقل به ويخطئ ولكن خطؤه أكثر من إصابته لأن له حدا يقف عنده فمتى ما وقف عند حده أصاب ولا بد ومتى جاوز حده إلى ما هو لحكم قوة أخرى يعطاها بعض العبيد قد يخطئ ويصيب عصمنا الله وإياكم من غلطات الأفكار وجعلنا من الذاكرين المذكورين بفضله لا رب غيره ولنا فيما ذكرناه آنفا نظم كتبت به إلى بعض الإخوان سنة إحدى وستمائة من مدينة الموصل في النبوة إنها اختصاص من الله تعالى ولذلك لا يشوب رائقها كدر ألا إن الرسالة برزخية * ولا يحتاج صاحبها لنية إذا أعطت بنيته قواها * تلقتها بقوتها البنية وإن الاختصاص بها منوط * كما دلت عليه الأشعرية وهذا الحق ليس به خفاء * فدع أحكام كتب فلسفية في أبيات كثيرة ولكن قصدنا إلى الأمر الذي يطلبه هذا الموضع منها ولتعلم إن سبب ظهور الأكدار إنما هو قرار الماء وسكونه لطلب الراحة من الحركة في غير موضعها ومحلها ولذلك كنينا عن هذه الحالة بالحوض لأن فيه قرار الماء وسكونه وقد قلنا في باب الغزل والنسيب أصف نزاهة المعشوق في نفسه
595
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 595