نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 576
سبحانه أن يلجأ إليه بالدعاء في دفع هذه المكاره كلها فيؤيد الله هذا الروح بما يعطيه من هذا النور من الاسم الرب ليدفع به ما تقع له به المضرة من جانب ظلمة الطبع واعلم أن مسمى الشر على الحقيقة ومسمى الخير إنما هو راجع إما لوضع إلهي جاءت به ألسن الشرائع وإما لملايمة مزاج فيكون خيرا في حقه أو منافرة مزاج فيكون شرا في حقه وإما لكمال مقرر اقتضاه الدليل فيكون خيرا أو نقص عن تلك الدرجة فيكون شرا وإما لحصول غرض فيكون خيرا في نظره أو عدم حصوله فيكون شرا في نظره فإذا رفع الناظر نظره عن هذه الأشياء كلها لم تبق إلا أعيان موجودات لا تتصف بالخير ولا بالشر هذا هو المرجوع إليه عند الإنصاف والتحقيق ولكن ما فعل الله سبحانه إلا ما قد حصل في الوجود من كمال ونقص وملائمة ومنافرة وشرائع موضوعة بتحسين وتقبيح وأغراض موجودة في نفوس تنال وقتا ولا تنال وقتا وما خلا الوجود من هذه المراتب وكلام المتكلم إنما هو بما حصل في الوجود لا بالنظر الآخر المنسوب إلى جانب الحق ثم أصل هذا الأمر كله إنما هو من جانب وجود واجب الوجود لذاته وهو الخير المحض الذي لا شر فيه ومن جانب العدم المطلق الذي في مقابلة الوجود المطلق وهذا العدم هو الشر المحض الذي لا خير فيه فما ظهر من شر في العالم فهذا أصله لأنه عدم الكمال أو عدم الملايمة أو عدم حصول الغرض فهي نسب وما ظهر من خير فالوجود المطلق فاعله ولذلك قال قل كل من عند الله وما هو موصوف بأنه عندك فليس هو عينك والإعدام والإيجاد بين إرادته سبحانه وقدرته ولهذا قلنا إن الخير فعل الحق ولم نقل في الشر فعلا وإنما قلنا إن ذلك العدم المطلق أصله فحررنا العبارة عنه ليعرف العاقل الناظر في كتابي هذا ما أردناه وإذ قد تبين هذا الأصل النافع في هذا الباب فلنقل ومما يلجأ إليه في دفع ما يكره من الأفعال ما تتلوه الشياطين على ملك سليمان من علم السحر الذي مزجوه بما أنزل على الملكين هاروت وماروت من علم الحق فعلم الحق من ذلك هو العلم بالأمور التي تسمى معجزات فإن الحق معجز وهو النور الذي يستند إليه وعلم الباطل من ذلك علم الخيال الذي قال فيه يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ولهذا سمي السحر سحرا مأخوذ من السحر وهو اختلاط الضوء والظلمة فالسحر له وجه إلى الظلمة وليس ظلاما خالصا وله وجه إلى الضوء وليس ضوءا خالصا كذلك السحر له وجه إلى الحق وهو ما ظهر إلى بصر الناظر فإنه حق وله وجه إلى الباطل لأنه ليس الأمر في نفسه على ما أدركه البصر فلهذا سمته العرب سحرا وسمي العامل به ساحر إلا العالم به ولهذا سمي كيدا من كاد يكيد أي كاد يقارب الحق قال تعالى إنهم يكيدون كيدا أي يقاربون الحق فيما يظهر لكم وكاد من أفعال المقاربة تقول العرب كاد العروس يكون أميرا أي قارب إن يكون أميرا قال تعالى إنما فعلوا كيد ساحر أي فعلوا ما يقارب الحق في الصورة الظاهرة للبصر فإذا لم يكن حقا فما ذا بعد الحق إلا الضلال فإني تصرفون أي كيف تصرفون عن معرفة هذه الحقائق ومما يتعلق بهذا العلم من الشر مقلوب الحمد ولهذا قال فلا تكفر فإن مقلوب الحمد كفر وهو الذم إذ الحمد هو الثناء على المحمود بما هو عليه من الخلال وبما يكون منه مما تعطيه مكارم الأخلاق والذم في مقابلة ما ذكرناه قال تعالى فيتعلمون منهما أي من المعلمين ما يفرقون به بين المرء وزوجه والله قد كره ذلك وقد ذمه وندب إلى الألفة وانتظام الشمل ولما علم سبحانه أن الافتراق لا بد منه لكل مجموع مؤلف لحقيقة خفيت عن أكثر الناس شرع الطلاق رحمة بعباده ليكونوا مأجورين في أفعالهم محمودين غير مذمومين إرغاما للشياطين ومع هذا فقد ورد في الخبر النبوي أنه صلى الله عليه وسلم قال ما خلق الله حلالا أبغض إليه من الطلاق لأنه رجوع إلى العدم إذ كان بائتلاف الطبائع ظهر وجود التركيب وبعدم الائتلاف كان العدم فكانت الأسماء الإلهية معطلة التأثير فمن أجل هذه الرائحة كره الفرقة بين الزوجين فعدم عين الاجتماع أي هذه الحالة ارتفعت بافتراق هذين الزوجين وإن بقيت أعيانهما وإن كان الاجتماع والافتراق والحركة والسكون الحاصل من ذلك راجع إلى نسب معقولة لا أعيان موجودة كما يراه بعضهم وبهذا النور الخاص بهذا المنزل يندفع جميع ما ذكرناه من الشرور وما لم نذكره مما ينطلق عليه اسم شر بالإضافة إلى ما قررناه من الكمال والملائمة وغير ذلك وهذا القدر من السحر الذي يعطي التفرقة هو الذي يدفعه سبب وجود هذا النور في هذا المنزل خاصة وعند الخروج من هذه السدف والظلم بالإدلاج فيها حتى يطلع لك الصباح وتشرق الأنوار وذلك عالم الآخرة حيث كان حينئذ تحمد مسعاك وما فاتك
576
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 576