نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 569
من الزجر حيث ساق الإعلام بلفظة الإنزال فهو إعلام بزجر فإنه البشير النذير والبشارة لا تكون إلا عن إعلام فغلب في الإنزال الروحاني باب الزجر والخوف لما قام بالنفوس من الطمأنينة الموجبة إرسال الرسل ليعلموهم أنهم عن الدنيا إلى الآخرة منقلبون وإلى الله من نفوسهم راجعون وأما قولنا روح الياء فأردنا قوله ونفخت فيه من روحي بياء الإضافة إلى نفسه ينبهه على مقام التشريف أي أنك شريف الأصل فلا تفعل إلا بحسب أصلك لا تفعل فعل الأراذل وروح الأمر قوله ويسألونك عن الروح أي من أين ظهر فقيل له قل الروح من أمر ربي فما كان سؤالا عن الماهية كما زعم بعضهم فإنهم ما قالوا ما الروح وإن كان السؤال بهذه الصيغة محتملا ولكن قوي الوجه الذي ذهبنا إليه في السؤال ما جاء في الجواب من قوله من أمر ربي ولم يقل هو كذا فعلوم الغيب تنزل بها الأرواح على قلوب العباد فمن عرفهم تلقاهم بالأدب وأخذ منهم بالأدب ومن لم يعرفهم أخذ علم الغيب ولا يدري ممن كالكهنة وأهل الزجر وأصحاب الخواطر وأهل الإلهام يجدون العلم بذلك في قلوبهم ولا يعرفون من جاءهم به وأهل الله يشاهدون تنزل الأرواح على قلوبهم ولا يرون الملك النازل إلا أن يكون المنزل عليه نبيا أو رسولا فالولي يشهد الملائكة ولكن لا يشهدها ملقية عليه أو يشهدون الإلقاء ويعلمون أنه من الملك من غير شهود فلا يجمع بين رؤية الملك والإلقاء منه إليه إلا نبي أو رسول وبهذا يفترق عند القوم وبتميز النبي من الولي أعني النبي صاحب الشرع المنزل وقد أغلق الله باب التنزل بالأحكام المشروعة وما أغلق باب التنزل بالعلم بها على قلوب أوليائه وأبقى لهم التنزل الروحاني بالعلم بها ليكونوا على بصيرة في دعائهم إلى الله بها كما كان من اتبعوه وهو الرسول ولذلك قال أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني فهو أخذ لا يتطرق إليه تهمة عندهم ولهذا قال القشيري في الثناء على علم أهل الله ما ظنك بعلم علم العلماء فيه تهمة لأن غيرهم من العلماء ما هم على بصيرة لا في الفروع ولا في الأصول أما في الفروع فللاحتمال في التأويل وأما في الأصول فلما يتطرق إلى الناظر صاحب الدليل إلى دليله من الدخل عليه فيه والشبه من نفسه أو من نفس غيره فيتهم دليله لهذا الدخل وقد كان يقطع به وأهل البصائر من الله لا يتصفون بهذا في علمهم وذلك العلم هو حق اليقين أي حق استقراره في القلب أن لا يزلزله شئ عن مقره وهذا القدر كاف في علم الروح الملقي وأما كيفية الإلقاء فموقوفة على الذوق وهو الحال ولكن أعلمك أنه بالمناسبة لا بد أن يكون قلب الملقي إليه مستعدا لما يلقى إليه ولولاه ما كان القبول وليس الاستعداد في القبول وإنما ذلك اختصاص إلهي نعم قد تكون النفوس تمشي على الطريق الموصلة إلى الباب الذي يكون منه إذا فتح هذا الإلقاء الخاص وغيره فإذا وصلوا إلى هذا الباب وقفوا حتى يروا بما ذا يفتح في حقهم فإذا فتح خرج الأمر واحد العين وقبله من خلف الباب بقدر استعدادهم الذي لا تعمل لهم فيه بل اختص الله كل واحد باستعداد وهناك تتميز الطوائف والأتباع من غير الأتباع والأنبياء من الرسل والرسل من الأتباع المسلمين في العرف أولياء فيتخيل من لا علم له أن سلوكهم إلى الباب سبب به وقع الكسب لما حصل لهم عند الفتح ولو كان ذلك لتساوى الكل وما تساوى فما كان ذلك إلا بالاستعداد الذي هو غير مكتسب ومن هنا أخطأ من قال باكتساب النبوة من النظار ولا يقول باكتسابها إلا من يرى أنها ليست من الله وإنما هي فيض من العقل والأرواح العلوية على بعض النفوس المنعوتة بالصفاء والتخلص من أسباب الطبيعة فانتقش فيها صور ما في العالم لصفائها وصفاؤها مكتسب فما حصله صفاؤها فهو مكتسب وهذا غلط بل الصفاء صحيح ونقش صور ما في العالم صحيح في نفس من لها هذه الصفة من الاطلاع وكون هذا الشخص دون غيره من أهل الصفاء مثله رسولا ونبيا وصاحب تشريع دون غيره اختصاص إلهي ينقشه في نفسه ما في صور العالم فإن اللوح المحفوظ هو العام لما ذكرناه ففيه منقوش صورة الرسول ورسالته وصورة النبي ونبوته وصورة الولي وولايته فإذا صفت النفس وانتقش فيها ما في اللوح لم يلزم أن يكون رسولا بل انتقش فيها من يكون رسولا وتميزت الأشياء عندها وهذا خلاف ما توهموه مما يحصل بصفاء النفوس فانتقشت فيها المراتب وأصحابها علوا وسفلا وأما حكم الاستعداد الذي يقبل الإلقاء بالمناسبة التي هي الحبل الإلهي الحاصل في القلب الموجود بالاستعداد إذا اتصل بحضرة الحق نزل الإلقاء عليه وهو الطريق فيتنور القلب بما حصل فيه من علم الغيب ولا سيما إذا
569
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 569