نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 565
وأما في المباح فلمة الشيطان خاصة وما له منازع إلا النفس وإنما كان للنفس المباح دون غيره لأنها جبلت على جلب المنافع ودفع المضار والأمر أبدا يتقدم النهي في لمة الملك والشيطان فصاحب الأمر في الشر هو الشيطان فله التقدم وصاحب الأمر في الخير إنما هو الملك فله التقدم فلا يرد نهي إلا بعد أمر ولا عكس في مثل هذا في هذه الحضرة وأصله في الإنسان من آدم عليه السلام فإن الأمر تقدمه بسكنى الجنة والأكل منها حيث شاء ثم نهاه عن قرب شجرة مشار إليها إن تقربها فوقع التحجير والنهي في قوله حيث شئتما لا في الأكل فما حجر عليه الأكل وإنما حجر عليه القرب منها الذي كان قد أطلقه في حيث شئتما فما أكلا منها حتى قربا فتنا ولا منها فأخذا بالقرب لا بالأكل وكان له بعد المؤاخذة الإلهية ما أعطته خاصية تلك الشجرة لمن أكل من ثمرها من الخلد والملك الذي لا يبلى وكان ذريته فيه لما وقع منه ما وقع ثم أهبط للخلافة وحواء للنسل لأنها محل التكوين فخرجت الذرية بعد أن تاب الله عليه بكله وذريته فيه وأسعد الله الكل فله النعيم في أي دار كان منهم ما كان بعد عقوبة وآلام تقوم بهم دنيا وآخرة فأما الدنيا فالكل لا بد من ألم أدناه استهلال المولود حين ولادته صارخا لما يجده عند المفارقة للرحم وسخانته فيضربه الهواء عند خروجه من الرحم فيحس بالألم فيبكي فإن مات فقد أخذ بحظه من البلاء ثم يعيش فلا بد له في الحياة الدنيا من الآلام فإن الحيوان مجبول على ذلك فإذا نقل إلى البرزخ فلا بد من ألم السؤال فإذا بعث فلا بد له من ألم الخوف على نفسه أو على غيره فإذا دخل الجنة ارتفع ذلك عنه أعني حكم الآلام وصحبه النعيم دائما وإذا دخل النار صحبه الألم ما شاء الله فإذا نفذت مشيئته فيه بما كان من الآلام أعقبه فيها نعيما بالعناية التي أدركته وهو في صلب أبيه آدم لما تاب عليه ليأخذ حظه من الألم واللذة كما أخذ أبوه فله نصيب من توبة أبيه وبقيت أسماء الانتقام في حق من شاء الله من سوى هذا المسمى إنسانا تحكم بحسب حقائقها فإن رحمته ما سبقت غضبه إلا في هذه النشأة الإنسانية وأما ما عداها فمن كون رحمته وسعت كل شئ لا من السبق فللانسان دون غيره الرحمة الواسعة والرحمة السابقة فتطلبه الرحمة من وجهين وليس لغير الإنسان هذا الحكم من الرحمة فهي أشد عناية بالإنسان منها بغيره ثم نرجع إلى ما كنا بصدده من معرفة الخواطر فنقول وبعد أن أعلمتك بحقائقها فتختلف آثارها في النفس باختلاف من يتعرض لها في طريقها فإن لم يتعرض لها أحد ممن ذكرنا فذلك خاطر العلم لا يكون خاطر عمل ألبتة وهو الخاطر الرباني وخواطر الأعمال والتروك تكون ملكية وشيطانية ونفسية لا غير ذلك وكل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا فأحرى قديما فألهمها فجورها عملا أو تركا لمجيئه على يد شيطان وتقواها عملا أو تركا لمجيئه على يد ملك فمن راقب خواطره من طرقها فقد أفلح فإنه يعلم من يأخذها ومن يتعرض إليها من القاعدين لها كل مرصد ومن غفل عن طرقها وما شعر بها حتى وجدها في المحل كما تجدها العامة عمل بمقتضاها وهو عمل الجاهل بالشئ فإن كان خيرا فبحكم المصادفة وإن كان شرا فكذلك لأن الخاطر الأول الذي أتاه بالعلم بمن يأتي بعده من الخواطر وعلى يد من يأتيه لم يشعر به ولا علمه ولا شاهده ففاته حكمه فلما فجئته هذه الخواطر العملية على حين غفلة وعدم تيقظ ومراقبة لطرقها عمل بمقتضاها فكان خيره وشره مصادفة ورأيت ابن الحجازي المحتسب بمدينة فاس ولم يكن صاحب علم بالشريعة يوفقه الله لإصابة الحكم وأعرف من صلاحه أنه ما فاتته تكبيرة الإحرام خلف الإمام في الصلوات كلها بجامع القرويين إلى أن مات فكانت أحكامه في حسبته تجري على السداد إلها ما من الله فكان يقول إني لأعجب من أمري ما اشتغلت بعلم أحكام الشريعة وأو أفق حكم الشرع في جميع أحكامي ولم يقدر أحد من علماء الشريعة يأخذ عليه في حكم لم يقل به مجتهد هذا وحده رأيته من عامة الناس معتنى به ولم يكن من أهل الطريق بل كان حريصا على الدنيا مكبا عليها كسائر عامة الناس لكن كان منور الباطن ولا يشعر بذلك والخواطر كلها خطابات إلهية ما هي تجليات ولهذا ينشئها الله صورا تحدث في العماء الذي هو النفس الإلهي فمن شهدها ولا يرزقه الله علما بما ذكرناه يتخيل أن الخواطر تجل إلهي لما يرى من الصورة وهذا هو السبب في تسميتها خواطر وإنها لا تثبت كما لا تثبت صورة الحرف في الوجود بعد نطق اللسان به فما له سوى زمان النطق به ثم
565
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 565