نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 560
النفس من ذلك فحظها النطق بذكر الله لا تدري أن ذلك الذكر يعود منه وبال على النفس أم لا ولا تدري هل هو مشروع أم غير مشروع ولذلك إذا شهدت الجوارح والجلود بما وقع منها من الأعمال على النفس المدبرة لها ما تشهد بوقوع معصية ولا طاعة وإنما شهادتها بما عملته والله يعلم حكمه في ذلك العمل ولهذا إذا كان يوم القيامة تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ولم يشهدوا بكون ذلك العمل طاعة ولا معصية فإن مرتبتهم لا تقتضي ذلك فالإنسان من حيث هيكله سعيد كله ومن حيث نفسه إن كان مؤمنا فهو صاحب تخليط وأما قرب الله منه فعلى نوعين النوع الواحد قرب رحمة وعطف وتجاوز ومغفرة وإحسان والنوع الآخر قرب لا يمكن كشفه لكن نومئ إليه فنقول لا يخلو الحق مع كل عبد عند ما يتجلى له أن يظهر له في مادة أو في غير مادة فإن تجلى له في مادة وهي الصورة تبع القرب تلك المادة في مجلس الشهود وحضرة الرؤية وإن تجلى له في غير مادة كان قرب المنزلة والمرتبة كقرب الوزير والقاضي والوالي وصاحب الحسية من الملك فإنه قرب متفاضل وقد يدني مجلس الأدون ليسار ره بأمر ينفذ في مرتبته ويكون الأعلى أبعد منه مجلسا في ذلك المجلس ولا يقتضي قربه في ذلك المجلس بأنه أعلى رتبة من الأعلى منه فإن حكم المواد يخالف حكم النفوس في الصورة وإذا علمت هذا فقد قربت من العلم بقرب الحق والقرب بين الاثنين على حد واحد فمن قرب منك فقد اتصفت بأنك منه قريب وفي نفس الأمر ليس للبعد من الله سبيل وإنما البعد أمر إضافي يظهر في أحكام الأسماء الإلهية فزمان حكم الاسم الإلهي في الشخص هو زمان اتصافه بالقرب من البعد وقرب العبد منه والاسم الإلهي الذي ما له حكم الوقت في الشخص هو منه بعيد كيف يتصف بالبعد عنك أو تتصف بالبعد منه من أنت في قبضته ألم يفتح لآدم يده اليمنى تعالى وكلتا يديه يمين مباركة فبسطها فإذا فيها آدم وذريته وهل يؤبد شقاء من هو في يمين الحق لا والله وكانت القبضة الأخرى جميع العالم فانظر في اختيار آدم يمين الحق للتمييز مع كونه يعرف أن كلتي يدي ربه يمين مباركة وليس إلا ما ذكرناه ولولا ما كان التجلي لآدم في صورة مادية ما اتصفت اليدان بالقبض والبسط وقد نبهتك على معرفة القرب حتى تشهده من نفسك مع الله إن كنت من أهل التجلي في هذه الدار وإذا وقع التجلي في المواد جاءت الحدود بغير شك فجاء الشبر والذراع والباع والسعي والهرولة بحسب ما يقتضيه الحال فإن قرب المواد تابع للأحوال فعلى قدر الحال يكون القرب في المادة بين القريبين ليعلم بذلك القرب أن حاله أعطى ذلك فهو ترجمان عن الأحوال وأما القرب من الله بحياز الصورة فليس ذلك إلا للخلفاء خاصة سواء كانوا رسلا أو لم يكونوا فإن الرسالة ليست بنعت إلهي وإنما هي نسبة بين مرسل ومرسل إليه لينوب عنه فيما يريد أن يبلغه إلى هذا الشخص المرسل إليه فالرسول خليفة ونائب في التبليغ خاصة وتتمة الخلافة والنيابة إنما هي في الحكم بما تقتضيه حقائق الأسماء الإلهية من القهر والإرعاد والإبراق والأخذ والرحمة والعفو والتجاوز والانتقام والحساب والمصادرة وما ثم أصعب في الإلهيات من المصادرة إذا لم تقع عن حساب أو تجاوز في الأخذ حد الاستحقاق وذلك في قوله لا يسأل عما يفعل والأخذ والتجاوز بعد التقرير والحساب والسؤال في قوله وهم يسألون وقوله فلله الحجة البالغة فقرب بالصورة على نوعين في الخلافة النوع الواحد خلافة عن تعريف إلهي بمنشور وخلافة لا عن تعريف إلهي مع نفوذ الأحكام منه ولا يسمى مثل هذا القرب على طريق الأدب بلسان الأدباء خلافة ولا هو خليفة وبالحقيقة هو خليفة وتلك خلافة فالخلفاء متفاضلون أيضا فيها والخلافة بغير التعريف أتم في القرب المعنوي فإن الخليفة بالتعريف والأمر الظاهر يبعد من المستخلف في الصورة فإن حكمه في العالم لم يكن عن أمر من غيره بل هو حاكم لنفسه فمن حكم في العالم بنفسه ونفذ حكمه فيه من غير أمر إلهي ولا استخلاف بتعريف ولا منشور فهو أقرب من الصورة الإلهية ممن عقدت له الخلافة عن أمر إلهي بتعريف ومنشور لكنه أقرب إلى السعادة المطلوبة له من ذلك الذي لم يقترن بخلافته أمر إلهي والقرب إلى السعادة هو المطلوب عند العلماء بالله وهذا القدر كاف في معرفة القرب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( الباب الأحد والستون ومائتان في معرفة البعد ) اعلم أن البعد هو الإقامة على المخالفة ويطلق أيضا على البعد منك
560
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 560