نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 526
كذلك فالمريد من انقطع إلى الله تعالى عن نظر واستبصار وطلب مرضاة الله وتجرد عن إرادته إذ علم أنه ما يقع في الوجود إلا ما يريده الله لا ما يريده الخلق فيقول هذا المريد فلما ذا أتعني وأريد ما لا أعلم أنه يقع أم لا يقع فإنه لا علم لي بما في علم الله تعالى من ذلك فإن وقع ما أريد فلكونه مراد الله فبما ذا أفرح وإن لم يقع فلا بد من انكسار الخيبة فاستعجل الهم وربما ينجر معه عدم الرضي لعدم وقوع المراد فالأولى إن لا يريد إلا ما يريده الحق كان ما كان على الإجمال فمتى وقع تلقيته بالقبول والرضي فيتجرد عن إرادته فلا يبقى له إرادة الأعلى هذا الحكم وأما الذي يطلعه الله من المريدين على مراد الله في العالم فإن ذلك قد يكون على أحد طريقين الطريق الواحدة بأخبار إلهي وكشف لما يكون والطريق الثانية أن يرزقه الله علم ما تعطيه حقائق الأشياء وترتيبها الإلهي الذي رتبت عليه فيريد عند ذلك أمرا ما فلا تخطئ له إرادة بل يقع مراده على حسب ما تعلق به فهذا مريد بالحق كما كان سميعا بصيرا بالحق إذ كان الحق سمعه وبصره فتكون أيضا إرادته ومهما أخطأت إرادته فليس بمريد على الحقيقة إذ لا فائدة في إن لا يكون مريدا إلا من قامت به الإرادة وإنما الفائدة في إن لا يكون مريدا إلا من تنفذ إرادته فالمريد في هذه الطريقة يحمل المشاق والشدائد والمكاره مشاق وشدائد ومكاره غير ملتذ بها بل يحملها من أجل الله أو أجل ما له فيها أي في حملها من السعادة الأبدية أعلاها وأن يشكر الله فعله فيكون ممن أثنى الله عليه فيتجرع الغصص ويصبر عليها لعلمه بما في طي ذلك من الخير الإلهي وقد يكون بعض رجال الله مريدا من وجه مرادا من وجه فتختلف أحواله فتختلف أحكامه فإذا التذ بالواقع المكروه كان مرادا وإذا تألم بالواقع المحبوب كان مريدا فكيف حاله بالمكروه فهذا حال المريد قد بيناه مفصلا لمن يعقل من أهل الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( الباب التاسع والعشرون ومائتان في حال الهمة ) إذا كنت في همة فاتئد * فإن الوجود لها مستعد ولا تفتحن بها مغلقا * ولا تك ممن بها يستبد ولا تركتن إليها وكن * كما أنت في باطن المعتقد نريد بباطن المعتقد كون الله هو الفاعل للأشياء لا أثر فيها لهمة مخلوق ولا لسبب ظاهر ولا باطن لعلمه بأن الأسباب إنما جعلها لله ابتلاء ليتميز من يقف عندها ممن لا يرى وقوع الفعل إلا بها ممن لا يرى ذلك ويرى الفعل لله من ورائها عندها لا بها اعلم أن الهمة يطلقها القوم بإزاء تجريد القلب للمنى ويطلقونها بإزاء أول صدق المريد ويطلقونها بإزاء جمع الهمم بصفاء الإلهام فيقولون الهمة على ثلاث مراتب همة تنبه وهمة إرادة وهمة حقيقة فاعلم إن همة التنبه هي تيقظ القلب لما تعطيه حقيقة الإنسان مما يتعلق به التمني سواء كان محالا أو ممكنا فهي تجرد القلب للمنى فتجعله هذه الهمة أن ينظر فيما يتمناه ما حكمه فيكون بحسب ما يعطيه العلم بحكمه فإن أعطاه الرجوع عن ذلك رجع وإن أعطاه العزيمة فيه عزم فيحتاج صاحب هذه الهمة إلى علم ما تمناه وأما همة الإرادة وهي أول صدق المريد فهي همة جمعية لا يقوم لها شئ وهذه الهمة توجد كثيرا في قوم يسمون بإفريقية العزابية يقتلون بها من يشاءون فإن النفس إذا اجتمعت أثرت في أجرام العالم وأحواله ولا يعتاض عليها شئ حتى أدى من علم ذلك ممن ليس عنده كشف ولا قوة إيمان أن الآيات الظاهرة في العالم على أيدي بعض الناس إنما ذلك راجع إلى هذه الهمة ولها من القوة بحيث أن لها إذا قامت بالمريد أثرا في الشيوخ الكمل فيتصرفون فيهم بها وقد يفتح على الشيخ في علم ليس عنده ولا هو مراد به بهمة هذا المريد الذي يرى أن ذلك عند هذا الشيخ فيحصل ذلك العلم في الوقت للشيخ بحكم العرض ليوصله إلى هذا الطالب صاحب الهمة إذ لا يقبله إلا منه وذلك لأن هذا المريد جمع همته على هذا الشيخ في هذه المسألة والحكايات في ذلك مشهورات مذكورة وأثر هذه الهمة في الإلهيات قول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا فمن جمع همته على ربه إنه لا يغفر الذنب إلا هو وأن رحمته وسعت كل شئ كان مرحوما بلا شك ولا ريب قال تعالى وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين لأنهم ظنوا أن الله لا يعلم كثيرا مما يعملون فلهذا قلنا إنه لا بد من علم
526
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 526