نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 517
وتحقق ما أشرنا إليه فإن أعيان الممكنات ما استفادت إلا الوجود والوجود ليس غير عين الحق لأنه يستحيل أن يكون أمرا زائدا ليس الحق لما يعطيه الدليل الواضح فما ظهر في الوجود بالوجود إلا الحق فالوجود الحق وهو واحد فليس ثم شئ هو له مثل لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان أو متمائلان فالجمع على الحقيقة كما قررناه أن تجمع الوجود عليه فيكون هو عين الوجود وتجمع حكم ما ظهر من العدد والتفرقة على أعيان الممكنات إنها عين استعداداتها فإذا علمت هذا فقد علمت معنى الجمع وجمع الجمع ووجود الكثرة وألحقت الأمور بأصولها وميزت بين الحقائق وأعطيت كل شئ حكمه كما أعطى الحق كل شئ خلقه فإن لم تفهم الجمع كما ذكرناه فما عندك خبر منه وأما إشارات الطائفة التي سردناها فإن لهم في ذلك مقاصد أذكرها إن شاء الله مع معرفتهم بما ذهبنا إليه أو معرفة الأكابر منهم وأما قول من قال منهم إن الجمع حق بلا خلق فهو ما ذهبنا إليه أن الحق هو عين الوجود غير أنه ما تعرض لما أعطته استعدادات أعيان الممكنات في وجود الحق حتى اتصف بما اتصفت به وأما قول الدقاق في الجمع إنه ما سلب عنك فإنه يقتضي مقامه أن يريد سلب ما وقعت فيه الدعوى منك وهو له كالتخلق بالأسماء الحسنى ونسبة الأفعال إليك وهي له هذا يعطيه حال الدقاق لا الكلام فإنه لو قال غيره هذه الكلمة ربما قالها على أنه يريد بقوله ما سلب عنك عين الوجود فإنه الذي سلب عنك إذ كان عين الوجود وأما قول الآخر إن الجمع ما أشهدك الحق من فعله بك حقيقة فإنه يريد أنك محل لجريان أفعاله والأمر في الحقيقة بالعكس بل هو المنعوت بحكم آثار استعدادات أعيان الممكنات فيه إلا أن يريد بقوله من فعله بك أي بك ظهر الفعل ولم يتعرض لذكر فيمن ظهر الأثر فقد يمكن أن يريد ذلك وهو ما ذهبنا إليه وما تعطيه الحقائق فلو علمنا من هو صاحب هذا القول حكمنا عليه بحاله كما حكمنا علي الدقاق لمعرفتنا بمقامه وحاله وأما قول من قال الجمع مشاهدة المعرفة فاعلم إن المعرفة بالله تعطي أن للعبد نسبة إلى العمل صحيحة أثبتها الحق ولذلك كلفه بالأعمال وللحق تعالى نسبة إلى العمل أثبتها الحق لنفسه وشرع لعبده أن يقول في عمله وإياك نستعين وقال موسى كليم الله وأعلم الخلق بالله رسل الله فقال لقومه استعينوا بالله واصبروا ولا فرق عندنا بين ما يقوله الله أو يقوله رسول الله من نعت الله في الصحة والنسبة إليه وقال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ثم فصل سبحانه وبين ما يقول العبد ويقول الله فنسب القول إلى العبد نسبة صحيحة والقول عمل وهو طلب العون من الله في عمله ذلك فصحت المشاركة في العمل فهذا قد جمعت في العمل بين الله وبين العبد فهذا معنى الجمع فقد قررت إن عين العبد مظهر بفتح الهاء وأن الظاهر هو عين الحق وأن الحق أيضا عين صفة العبد وبالصفة وجد العمل والظاهر هو العامل فإذا ليس العمل إلا لله خاصة قلنا وعند ما قررنا ما ذكرته قررنا أيضا أن عين العبد لها استعداد خاص مؤثر في الظاهر وهو الذي أدى إلى اختلاف الصور في الظاهر الذي هو عين الحق فذلك الاستعداد جعل الظاهر أن يقول وإياك نستعين يخاطب ذلك الظاهر بأثر استعداد هذا العين المصلية حكم الاسم المعين أن يعينه على عمله فإن عين الممكن إذا كان استعداده يعطي عجزا وضعفا ظهر حكمه في الظاهر فقول الظاهر هو لسان عين الممكن بل قول الممكن بلسان الظاهر كما أخبر الحق أنه قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فأعطت المعرفة أن تجمع العمل على عامله لما وقع في ذلك من الدعاوي بما قد ذهب إليه أصحاب النظر القائلين بإضافة الأفعال إلى العباد مجردة والقائلين بإضافة الأفعال إلى الله مجردة والحق بين الطائفتين أي بين القولين فللعبد إلى العمل نسبة على صورة ما قررناها من أثر استعداد عين الممكن في الظاهر وللحق نسبة إلى العمل على صورة ما قررناه من قبول الظاهر لتأثير العين فيه فإن العبد قال على لسان أثره في الظاهر إياك نعبد وإياك نستعين وهذا مذهبنا في الجمع فإن كان صاحب القول في الجمع أراد أنه مشاهدة المعرفة ويعرف معنى مشاهدة المعرفة فهو على ما قلناه فنحن إنما تكلمنا على معنى مشاهدة المعرفة لا على مقام قائلها إذ لهذه اللفظة وجوه نازلة عما ذهبنا إليه في شرحها فشرحناها على أتم الوجوه وأكملها وهو الذي الأمر عليه في نفسه ومن أجل بعض تلك الوجوه اعترضنا على قائل هذه اللفظة في مختصر هذا الكتاب وإلى ما قررناه وذهبنا إليه في الجمع ترجع أقوال الجماعة التي ذكرناها وحكيناها في أول الباب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
517
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 517