نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 514
الآنات في كل حال وأن هيكلك ثابت على صورة واحدة وإن اختلفت عليه الأعراض فإذا فنيت عن ذاتك بمشهودك الذي هو شاهد الحق من الحق وغير الحق ولا تغيب في هذه الحال عن شهود ذاتك فيه فما أنت صاحب هذا الفناء فإن لم تشهد ذاتك في هذا الشهود وشاهدت ما شاهدت فأنت صاحب هذا النوع من الفناء وإنما قلنا شاهدت ما شاهدت ولم نخصص شهود الحق وحده فإن صاحب هذا الفناء قد يكون مشهوده كونا من الأكوان وهو حال يعصم ذات الإنسان من التأثر أخبرني الأستاذ النحوي عبد العزيز بن زيدان بمدينة فاس وكان ينكر حال الفناء وكان يختلف إلينا وكانت فيه إنابة فلما كان ذات يوم دخل علي وهو فارح مسرور فقال لي يا سيدي الفناء الذي تذكره الصوفية صحيح عندي بالذوق قد شاهدته اليوم قلت له كيف قال ألست تعلم أن أمير المؤمنين دخل اليوم من الأندلس إلى هذه المدينة قلت له بلي قال اعلم إني خرجت أتفرج مع أهل فاس فأقبلت العساكر فلما وصل أمير المؤمنين ونظرت إليه فنيت عن نفسي وعن العسكر وعن جميع ما يحسه الإنسان وما سمعت دوي الكوسات ولا صوت طبل مع كثرة ذلك ولا البوقات ولا ضجيج الناس ولا رأيت ببصري أحدا من العالم جملة واحدة سوى شخص أمير المؤمنين ثم إنه ما أزاحني أحد عن مكاني ووقفت في طريق الخيل وازدحام الناس وما رأيت نفسي ولا علمت أني ناظر إليه بل فنيت عن ذاتي وعن الحاضرين كلهم بشهودي فيه ولما انحجب عني ورجعت إلى نفسي أخذتني الخيل وازدحام الناس فأزالوني عن موضعي وما تخلصت من الضيق إلا بشدة وأدرك سمعي الضجيج وأصوات الكوسات والبوقات فتحققت إن الفناء حق وأنه حال يعصم ذات الفاني من أن يؤثر فيه ما فنى عنه هذا يا أخي فناء في مخلوق فما ظنك بالفناء في الخالق فإن شاهدت في هذا الفناء تنوع ذاتك اللطيفة ولم تشاهد معها سواها ففناؤك عنك بك لا بسواك فأنت فإن عن ذاتك ولست فانيا عن ذاتك فإنك لك بك مشهود من حيث لطيفتك وإنك لك بك مفقود من حيث هيكلك فإن شاهدت مركبك في حال هذا الفناء فمشهودك خيال ومثال ما هو عينك ولا غيرك بل حالك في هذا الفناء حال النائم صاحب الرؤيا ( وأما النوع الخامس من الفناء ) وهو فناؤك عن كل العالم بشهودك الحق أو ذاتك فإن تحققت من تشهد منك علمت أنك شاهدت ما شاهدته بعين حق والحق لا يفنى بمشاهدة نفسه ولا العالم فلا تفني في هذه الحال عن العالم وإن لم تعلم من يشهد منك كنت صاحب هذا الحال وفنيت عن رؤية العالم بشهود الحق أو بشهود ذاتك كما فنيت عن ذاتك بشهود الحق أو بشهود كون من الأكوان فهذا النوع يقرب من الرابع في الصورة وإن كان يعطي من الفائدة ما لا يعطيه النوع الرابع المتقدم ( وأما النوع السادس من الفناء ) فهو إن تفني عن كل ما سوى الله بالله ولا بد وتفني في هذا الفناء عن رؤيتك فلا تعلم أنك في حال شهود حق إذ لا عين لك مشهودة في هذا الحال وهنا يطرأ غلط لبعض الناس من أهل هذا الشأن وأبينه لك إن شاء الله حتى يتخلص لك المقام وإن الله ألهمني لهذا البيان وذلك أن صاحب هذا الحال إذا فنى عن كل ما سوى الله بشهود الله فيما يقول فلا يخلو في شهوده ذلك إما أن يرى الحق في شؤونه أو لا يراه في شؤونه فإنه لا يزال في شؤون إذ لا غيبة له عن العالم ولا عن أثر فيه فإن شاهده في شؤونه فما فنى عن كل ما سوى الله وإن شاهده في غير شؤونه بل في غناه عن العالم فهو صحيح الدعوى فإن الله غني عن العالمين وهذا المشهد كان للصديق فإنه قال ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله فأثبت أنه رآه ولا شئ ثم أقيم في مشهد آخر فرأى صدور الشئ عنه وقد كان رآه ولا شئ فجعل تلك الرؤية قبل هذا الشهود فقال ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله فقد أبنت لك الأمر على ما هو عليه ( وأما النوع السابع من الفناء ) فهو الفناء عن صفات الحق ونسبها وذلك لا يكون إلا بشهود ظهور العالم عن الحق لعين هذا الشخص لذات الحق ونفسه لا لأمر زائد يعقل ولكن لا من كونه علة كما يراه بعض النظار ولا يرى الكون معلولا وإنما يراه حقا ظاهرا في عين مظهر بصورة استعداد ذلك المظهر في نفسه فلا يرى للحق أثرا في الكون فما يكون له دليل على ثبوت نسبة ولا صفة ولا نعت فيفنيه هذا الشهود عن الأسماء والصفات والنعوت بل إن حققه يرى أنه محل التأثر حيث أثر فيه استعداد الأعيان الثابتة من أعيان الممكنات ومما يحقق هذا كونه تعالى وصف نفسه في كتابه وعلى ألسنة رسله بما وصف به المخلوقات المحدثات وإما أن تكون هذه الصفات في جنابه حقا ثم نعتنا بها
514
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 514